ثقافة

في ملتقى الشعر د.هايل الطالب: الإبداع ابن المفاجأة واللامتوقع

على الرغم من أن سؤال الحداثة والتجريب في الشعر هو سؤال عن ماهية الشعر في النص وأين وصلت الشعرية فيه من خلال تجارب شابة لا زالت في الأطوار الأولى لتشكلها وتشكل تجاربها الشعرية الفنية إلا أن د.هايل الطالب الذي حدثنا على هامش ندوة ملتقى الشعر الشهرية التي أقيمت في مركز ثقافي أبو رمانة تحت عنوان “التجريب والحداثة في الشعر السوري الشاب” أنه من الظلم اليوم أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال مجموعة قليلة من التجارب لتبقى في الإطار العام أمثلة من الممكن أن تعمَّم في مرحلة لاحقة من خلال مهرجان أو أمسيات وندوات نقدية للوصول إلى تصور واضح.. من هنا فإن مشاركته كناقد في الندوة هي لمجرد طرح أسئلة على نصوص محددة ولا تدّعي أنها تطلق أحكاماً عامة لأنها تنطلق من نصوص محددة .

نقلات نوعية في الشعر
ويبين د.الطالب أن التجريب هو عنصر أول للتطوير، فالحداثة الشعرية التي نشأت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي نجمت عن التجريب واستطاعت أن تطرح أشكالاً فنية متعددة، واليوم وبعد هذه الفترة الطويلة نتج ما يستحق أن يطرح عليه سؤال: هل القصائد التي تُطرح من قبل الشعراء حالياً تستفيد من تجربة الحداثة الأولى لتطرح تجربتها الشخصية أو لتطرح تطويراً جديداً على صعيد بناء القصيدة سواء من حيث التكنيك أو الرؤية؟ وأشار د.الطالب إلى أننا لو استعرضنا تاريخ الشعر العربي لوجدنا الكثير من النادبين المتشائمين الذين يقولون أن حالته مزرية وهذه الحالة لا تنتج مبدعين، في حين يرى أن الإبداع حالة فردية وشخصية، وبالتالي لو نظرنا في تاريخ الشعر العربي لتساءلنا ماذا كان الشعر العربي سيخسر إذا بقي عشرات الشعراء وخسر المتنبي الذي حقق نقلة نوعية في الشعر؟ وبالتالي فإن تاريخ الشعر العربي برأي د.الطالب هو تاريخ نقلات نوعية، فأبو تمام نقله باتجاه الصنعة، ونزار قباني نقلة باتجاه الحداثة من خلال لغته اليومية والمعاصِرة، ومحمود درويش نقلة باتجاه البلاغة المترفة، لذلك فإن ولادة الشعر اليوم من خلال هذا المنتَج لا يعني شيئاً لأن الولادة الحقيقية هي حالة فردية، وبالتالي يتوقع د.الطالب أن يولد هذا المبدع بأية لحظة، وأكد في الوقت نفسه أن الولادة لا تأتي بسرعة دائماً وهي بحاجة لمخاضات طويلة، والدليل أننا انتظرنا من نهايات العصر العباسي وحتى 1945 حتى نشأت الحداثة في الشعر العربي، ونوه إلى دور البيئة والحالة الثقافية في المجتمع في ذلك، ولكن يبقى العبء الأكبر إبداعياً ملقى على الفرد.

الأبواب مشرعة
أما في أي اتجاه من الممكن أن تتجه الحداثة اليوم بعد كل ما تم إنجازه من قِبل السابقين فيوضح د.الطالب أن أهم ما يُطرح في مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة مصطلح النص، بمعنى الفكرة التي أصبحت –برأيه- متداخلة، أي أن النص الشعري صار يستفيد من السرد والتشكيل، وهذه النظرة الحداثوية لمفهوم النص تركت الأبواب مشرعة لأن يقول كل صاحب قول ما يريده ليكون الزمن في النهاية هو الحكَم الذي سيصطفي من يستحق.
ويؤكد د.الطالب أن الإبداع هو ابن المفاجأة واللامتوقع ويشفي جراح الفهم ويذهب بالنص إلى التأويل وارتياد أماكن غير مرتادة فيذهب الشاعر فيه إلى مكان بعيد عن ما يمكن أن يتوقعه المتلقي ويصوغ حالته بطريقة مدهشة.. ومن هنا برأي د.الطالب طُرِحت فكرة التناص أي النصوص المتوالدة من بعضها ولكن بتشكيل جديد، وأشار إلى أنه بوجود فكرة النص المفتوح وتداخل الأجناس لا نستطيع أن نعرف إلى أين سيذهب الشعر لأن الفكر الحر فكر إبداعي مفتوح وغير متوقع، يجعلنا غير قادرين على التنبؤ إلى أين ستصل القصيدة ومتى يموت الشعر، وهي مقولات لا يقبل النقد أن يتعامل معها لأنه لا يتعامل مع الغيبيات، وبالتالي يجب أن لا ننتظر إجابة حاسمة على سؤال كيف سيكون شكل القصيدة مستقبلاً.

الإبداع حالة أرق
وعن غياب الرؤية في تجارب معظم الشباب وأسباب هذا الغياب يعتقد د.الطالب أن الإبداع حالة أرق لا إرادية، وهو همّ يشعر به المبدع وهي ليست حالة آنية أو كيفية تندرج ضمن إطار الموضة يكتب الشاعر فيها ليصبح معروفاً بل هي حالة تستلزم البحث الدائم لأن النص بحاجة لمفاتيح كثيرة، فقصيدة الحب بحاجة للبحث عن ماهية الحب، وقصيدة الصراع بين الحياة والموت بحاجة لمعرفة ماهية هذا الصراع وقراءة فلسفاته، ويأسف د.الطالب لأن قراءة الشعر اليوم ألد أعداء شعرائنا الجدد لأن التجربة في البداية تقع في إغواء القصيدة الجميلة، وهذا يؤدي إلى التكرار والأسلوبيات المتشابهة، في حين أن تجديد الأساليب يتطلب من الشاعر البحث في كل العلوم الاجتماعية والنفسية، فهي تشكل أرضية ثقافية جديدة قائمة على الرؤية.
ويؤكد د.الطالب على أن الأزمات في أي بلد تؤثر على جميع البنى في المجتمع ومنها الثقافية، حيث خفَّت حركة الثقافة والملتقيات برأيه خلال سنوات الحرب على سورية، ومن هنا تأتي أهمية ملتقى الشهر الذي يشرف عليه الشاعر صقر عليشي وقدرته على إحياء الحالة الثقافية الرائعة التي كانت سائدة قبل الحرب، ولذلك أتت المشارَكات الشعرية في هذا الملتقى من قِبل الشباب السوري منحازاً لما هو يومي ولجزئيات وقضايا الحب والذات، وبيّن أن كل كتابة إبداعية اليوم تحاول أن تجمِّل القبح الذي يحيط بنا من كل الجهات.
في حين بين الشاعر صقر عليشي أن ندوة الملتقى لهذا الشهر كانت فرصة لتسليط الضوء على تجارب الشباب الشعرية: إيمان موصلي، محمد العزيز إسماعيل، سليمان الإبراهيم، وسام رحال، وهي تجارب تحتاج  لمن يبرزها من خلال مجموعة من النصوص المختارة لعدد من الأسماء، وأوضح أن الملتقى سيسعى لتناول هذه التجارب بين فترة وأخرى لتعريف الجمهور بها.
أمينة عباس