ثقافة

كلمات.. لم تكن يوماً قابلة للنشر

عادة لا أشتكي من الوحدة، فهي رفيقتي اللصيقة، تربطني بها علاقة وثيقة، وألفة مبنية على مبدأ التعايش السلمي أحياناً، والحذر أحياناً أخرى، ولكن، في الحقيقة للوحدة فضل كبير علي لا أنكره فيما كتبت، إلا أن ذلك لم يمنعها بعض الأحيان من فرض حضور مهيمن وقاس مصحوب بوحشة واغتراب، هي لا يد لها بذلك، فهذا هو قوامها الصلب على مدى الأيام، فيتقوض في لحظة ما جمعته من استقرار طيلة عهد يسير، وأجدني أمام هوة سحيقة مشتتة مبعثرة، لكني أسارع للتدارك قبل التداعي في جمع شتاتي، وما فرط مني، استعداداً لمجابهتها، وفك حصارها اللئيم.
بالكتابة فقط أنجو مما أنا فيه.. تجتاحني الرغبة في البحث والتقصي عن حرفي التائه مني، فمنذ امتطائي صهوة قراري بالكتابة وأنا وهو في حالة كر وفر، فأشد حبال عزيمتي وإصراري، وأتأبط فكرة متواضعة تقذفها الصدفة أمامي، أمزجها ببعض جنوني، وأسكبها على الورق.
لم أعد أخاف برد اليأس، لقد حصنت نفسي جيداً من تقلبات مزاج طقسه.. أتدثر بمعطف آمالي، ذاك متعدد الاختصاصات، وكثير الاستعمالات.. حيث أفترشه حيناً، وألتحف به أخرى، وربما أنصبه خيمة أحتمي بها من وحشتي واغترابي.
أحياناً تنتابني رغبة عارمة أن أترجم وحدتي، وأصبح متشردة، ألتقي المتشردين في الأرض، نتقاسم وجعنا وتشردنا، نوزع غلة يومنا من الألم بالتساوي علينا، نشرب الصبح كأساً من الهم، وننطلق للشوارع.
أنا مشردة صحيح، ولكني أملك المال.. يا الله، ما علاقة المال بالتشرد؟!.. لا علاقة للمال بالتشرد.. التشرد حالة داخلية يعيشها الإنسان، وتبلغ ذروتها حين لا تجد قلباً كي تسكنه، لذا كنت أمشي في شوارع المدينة، وأصرخ بأعلى صوتي: هل من قلب في هذه المدينة أسكنه..؟!.
حتى اللحظة وأنا أطلبك من الله بطريقة مستقيمة.. الله وحده قادر على أن يلوي خطواتك نحوي، تموج كالبحر أحياناً، وتتسع كالصحراء أحياناً أخرى، وفي كلا الحالتين تشبه بعضك، وتبقيني عطشى ما رغبت يمناك..!.للأسف، لقد تحولنا بالصدفة لمجرمين بحق أنفسنا أولاً.. وجدنا أنفسنا جالسين برفقة الذين لا يتقنون إدارة حياتهم، وهم بفنون الكذب بارعون.
كم كان لقائي بك يفرحني.. كم كانت كلماتك تذكرني بأني إنسان!.. كنت أحب أن أنسى لأجلك جميع الألوان.. أحب أن أنسى وأتذكر بالآن ذاته!.. كم كنا بالحب مزهرين!.. أنا أعترف بملء جنوني أن أفضل ما كتبته على الإطلاق لم يكن يوماً للنشر.. كلمات حملت الكثير من روحي.. كلمات وكلمات تكتب لا للنشر، وإنما تخبأ في أدراج القلب هناك.
لينا أحمد نبيعة