ثقافة

العمق الإنساني أوصل “بانتظار الياسمين” إلى إيمي اورد أسامة كوكش: أنا كاتب سوري حتى النخاع

على الرغم من أن ترشّح مسلسله “بانتظار الياسمين” مؤخراً لجائزة “أيمي اورد” شكّل منعطفاً كبيراً في تاريخ الدراما السورية، إلا أن هذه الجائزة، كما يشير الكاتب أسامة كوكش- على أهميتها- لم تغيّر شيئاً في واقع حال الدراما السورية المتردي، ولا في حياته ككاتب، وهي مجرد تكريم انتهى بانتهاء الحالة الاحتفالية التي أقيمت من أجله من قبل وزارة الإعلام، لأن الجوائز في أنحاء العالم تعني قفزة نحو الأمام، والتطور، والمثابرة، ويترتب عليها دفع الفائز، وتشجيعه لتقديم المزيد، ولا يُقصَد بالتشجيع هنا الحوافز المادية على أهميتها، إنما رعاية هذا الفائز معنوياً، سواء كان شركة منتجة، أو مخرجاً، أو ممثلاً، أو كاتباً لينتج المزيد، لكن وبسبب غياب الدراما كصناعة حقيقية مكرّسة تحميها القوانين والأنظمة والمؤسسات، فإن الجوائز– برأيه- لا تقدم ولا تؤخر.

ماذا بعد “بانتظار الياسمين”؟
< أعمال كثيرة تناولت الحرب في سورية، فأية خصوصية لعملك “بانتظار الياسمين”، ليجد طريقه لجائزة أيمي؟.
<< السبب يكمن في الموضوعة الإنسانية التي تتعمق فيها، فالعمل لم يتناول السياسة رغم موقفي الشخصي ككاتب يعرف أين تتجه بوصلته الوطنية، إلا أنني آثرت أن يتناول النص أهلنا الذين فقدوا بيوتهم، وأرزاقهم، فباتوا مشردي حرب، هذه الحالة هي التي أوصلت المسلسل إلى نهائي المسابقة العالمية، كل ذلك دون أن نغفل الجهود الجبارة التي بذلتها شركة “abc” الرائدة، ومديرها التنفيذي الأستاذ عدنان محمد حمزة، وكذلك ما قام به صديقي المبدع المخرج سمير حسين، وبقية الزملاء الأعزاء من فنانين، وفنيين.
< ما هو التحدي الأكبر الذي وضعك فيه هذا العمل بوصوله لجائزة أيمي؟.
<< سؤال بات يلازمني ألا وهو: “ماذا أكتب بعد بانتظار الياسمين؟”.
< أكدتَ في حواراتك أنك لا تستطيع أن تغرد خارج سرب الحرب في كتاباتك الدرامية، فأية صعوبة تجدها اليوم في اختيار الموضوع الأنسب للحديث عن الحرب في الدراما، وهي موضوعات كثيرة ومستجدة بشكل دائم؟.
<< لو تُرِكَ الخيار لي لما كتبتُ إلا عن هذه الحرب، لكن أنّى لكاتب، أو مخرج، أو شركة منتجة أن تفرض شروطها؟ الدراما السورية مرتهنة للمحطات العارضة، وهي جهات لا تريد أن تسمع عن الحرب على سورية، وهي محطات تفضل تقديم وجبات مخدّرة للمشاهدين، وهذه أحد أخطائنا، إذ إننا لم نشجع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال الإعلام لتكون لدينا محطات تلفزيونية خاصة يمكن أن تعرض الإنتاج السوري على مختلف أنواعه، وبالتالي تقدم التغطية المالية الكافية لأي مسلسل، أو برنامج دون الحاجة للوقوف على أبواب المحطات التلفزيونية في العالم العربي، واللهاث وراء من يشتري أعمالنا كما هي الحال اليوم!.
< أغرتك الرواية مؤخراً، وخضتَ هذا المجال من خلال روايتك “سيتي سنتر”، أو “سوق البسطة”، فما الذي جذبك لعالم الرواية؟ وماذا قدمت لك الكتابة الدرامية لهذه الرواية؟ وأية فوارق وجدتَها بين الكتابة الدرامية والأخرى الروائية؟.
<< الكتابة الدرامية عمل جماعي مشترك يراعي آراء كثيرة تمليها سياسة الشركة المنتجة، ورؤية المخرج، وغيرهما، في حين أن الرواية هي رؤية شخصية خالصة للكاتب، وقد وجدتُ لديّ ما أود قوله بأوسع مساحة حرية ممكنة، فاتجهتُ إلى الكتابة الروائية، الكتابة الدرامية تعنى بالصورة كأحد أهم جوانبها، وبالتالي كان للصورة حيز مهم في روايتي، وهذا الجانب واحد من تأثيرات عملي ككاتب درامي على عملي ككاتب روائي، ولو عاد الخيار لي لاكتفيتُ بالعمل ككاتب روائي، فالرواية هي العالم الرحب للإبداع، وقد انسجمتُ فيها مع نفسي أكثر، واستمتعتُ بما قمتُ به للحد الأقصى.

“سيتي سنتر” فاجأت البعض
< حدّثنا عن “سيتي سنتر” على صعيد الشكل والمضمون، ولماذا وصفها البعض بالرواية الجريئة؟ وما أسباب منعها؟.
<< دعيني أبادل سؤالك عن جرأة الرواية بالسؤال التالي: “هل يسمى وصف الواقع على حقيقته جرأة؟”.. تسمية الأشياء بمسمياتها لا تُعد جرأة.. رواية “سيتي سنتر” مستوحاة من واقع مدن العالم الثالث، وبالتأكيد لا يمكن إلا أن تكون متطبعة بسوريتي، فأنا كاتب سوري حتى النخاع، وكان من الممكن أن تصبح الرواية جريئة فعلاً لو أني ذكرتُ الأسماء الحقيقية لشخوصها، وحينها أضع نفسي تحت المساءلة القضائية بتهمة التشهير، “سيتي سنتر” فاجأت البعض بحقيقة المجتمع المحيط بنا، والقريب منا، وقد حاولت الرواية إماطة لثام التعتيم المتعمد عن حياة شريحة الفقر التي باتت هي الأوسع في مجتمعاتنا، وشريحة القلة من أصحاب الثراء الفاحش، وربما كان هذا سبب وصفها بالجرأة، وحول قرار منع تداول الرواية، فأنا لا أعلم سببه، وأستغرب أن يقوم اتحاد الكتّاب بمنع الرواية، وما جدوى المنع في عالم الميديا الذي نعيشه اليوم؟.. الشبكة العنكبوتية مليئة بملايين الكتب من مختلف الصنوف، وسيأتي اليوم الذي تكون فيه “سيتي سنتر” متوفرة على هذه الشبكة، ومنع أي كتاب هو فعل يقوم به الرقيب ليحمي نفسه وامتيازاته، ولا يقوم به لحماية المجتمع الذي تتم حمايته بالتعليم أولاً، وبالتوعية ثانياً، وعلى الأقل كنتُ أتمنى أن تسمح آليات الرقابة باستدعائي إلى جلسة حوار حول التحفظات التي قادتهم إلى منع الرواية، بدل إصدار قرار المنع، وهذه النوعية من القرارات تدفع الأفكار للهجرة على غرار ما فعلتُ بطبعي الرواية خارج سورية؟!.
< تقلبات الحرب وأزماتها غيّرت فينا الكثير، فما الذي غيّرته فيك ككاتب؟.
<< الحرب جرح نازف في حياتنا جميعاً، وهي بدأت مع بداية تحولي للعمل ككاتب درامي، فطبعتْ معظم أعمالي بطابعها، وبتُّ أجد صعوبة في الكتابة بعيداً عنها، وأصبحتُ أحس بالواجب لأن أقوم بدوري فيها، وأحلم ككل السوريين أن يأتي اليوم الذي نستيقظ فيه من هذا الكابوس على خبر انتهائها.
< ما رأيك بموضة الأعمال المشتركة على صعيد المضمون، والنصوص المتعلقة بها؟.
<< هذه الموضة هي ما ترغب به المحطات العارضة، ولا خيار لدينا كعاملين في المجال الدرامي بالقبول به أو رفضه، وعموماً أنا لست ضدها، فما المشكلة بتنفيذ أعمال يشارك فيها ممثلون عرب من مختلف الجنسيات؟.. المشكلة هي في طبيعة الحكايات التي تُقدم حالياً في هذا السياق: عالم وردي يتحدث عن قصص حب لا روح فيها، وتخلو– غالباً- من المضمون المهم، ومعالجة ساذجة لدراما فاقدة القيمة، مستوردة من الخارج، في حين يمكن أن نقدم أعمالاً مشتركة تعالج مختلف جوانب حياة العالم العربي بعمق.
< كيف تجد واقع النص الدرامي السوري في سنوات الحرب بالتحديد؟.
<< الدراما في سورية للأسف بأسوأ أحوالها، والنص ليس بمنأى عن ذلك، وللأسباب التي ذكرتُها دعيني أوجه لنفسي سؤالاً وأجيب عنه ألا وهو “ما الحل؟”.. الحل من وجهة نظري المتواضعة يبدأ بالقانون، وبالتشريعات التي تحمي جميع أطراف عملية الإنتاج الدرامي، ومن ثم الحرص على تنفيذ هذه التشريعات على الجميع دون محاباة، ولا محسوبيات، وغياب هذه التشريعات أدخل هذه الصناعة- إن صحت التسمية- في فوضى، واستسهال ساهما فيما وصلنا إليه، من المنتصر من هذه الفوضى؟.. لا أحد، فالجميع خاسر، والدليل، ها نحن قد أصبحنا خارج حسابات الدراما العربية!.
< فكرة عن آخر كتاباتك؟.
<< دائماً هناك مشاريع، ودائماً هناك جديد، ولكن في الموسم الرمضاني لن أكون متواجداً في أي عمل لأسباب عدة، ربما في الموسم القادم سأكون متواجداً في عمل يحترم عقل المشاهد، ويحقق له متعة المشاهدة.

أمينة عباس