في ندوة أدب الطفل وفنه.. كثير من الأعمال لا قيمة لها
تلك كانت من المرات القليلة التي يُدعَم فيها الجانب النظري بما هو عملي في مجال أدب وفنون الأطفال وتتاح فيها مساحة كبيرة من الوقت للتعريف ببعض المواهب الطفلية في مجال التمثيل، والموسيقا، وكتابة القصة، والإصغاء إليهم ففي ندوة “أدب الطفل وفنه-الهموم والمتطلبات والحلول، والتي دعا إليها مؤخراً فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب، كان الفرع حريصاً على مشاركة من خَبِروا العمل للطفل، سواء في الجانب الفني، أو الجانب الأدبي كالرسّام رامز حاج حسين، والكاتبة لينا الزيبق، والكاتب عبد الناصر الحمد لتقديم وجبات غنية من المقولات التي من الضروري أن تُطرَح، كما كان حريصاً على أن يكون للأطفال حضورهم الذي يليق بهم وبمواهبهم، كما أوضح الشاعر قحطان بيراقدار، رئيس تحرير مجلة “أسامة”، والمشرف على الندوة.
الاستسهال والقرصنة
ولأن تنمية ذهنية الطفل وذائقته البصرية كأهمية تنمية مداركه العقلية واللغوية، أشار أ.رامز حاج حسين إلى أهمية فن رسوم قصص الأطفال، لأن رسوم القصص الطفلية هي الجناح الآخر المقابل للكلمة إذا كنا نريد أن نشبِّه الوجبة الفنية المقدَّمة في القصة بالطائر، ونوّه في الوقت ذاته إلى المشاكل التي يتعرض لها فن رسم القصة الطفلية على صعيد الاستسهال والقرصنة في تقليد الفنون الأخرى، حيث يدفع فنانَ قصص الأطفال لانتهاج هذا النهج، أمران أولهما برأيه سهولة الوصول إلى الرسوم الأجنبية بسبب ثورة التقانات الحديثة، والسبب الآخر ضغط المكافآت، وقلتها من قبل الجهة الناشرة التي تبحث عن الربح السريع والجزيل، لذلك تستغل حاجات الفنان المعيشية، وضيق الحال لابتزازه، وهذا -كما أكد حاج حسين- جعل العلَم الأميركي يرفرف داخل بيوتنا حين سيطرت ثقافة البطل الأميركي الأوحد، والمخلِّص المنتظَر للعالم من الشرور على تفكير جيل كامل تربى وترعرع في كنف الكتب والقصص المصورة وأفلام السينما الغربية، فصار لأطفالنا أبطال قدوة، ونماذج للتقليد والمحاكاة خارجة عن إرادتنا، من نسيج خططهم المدروسة نحو أدلجة العالم باتجاه قطب ثقافي واحد يكون البطل الأميركي فيه هو النموذج الأعلى لخيال كتّاب ورسامي الأطفال، وحين يستعرض حاج حسين ألوان أبطال الرسوم الكرتونية والقصص المصورة (comic) يجد أن الأحمر والأزرق والأبيض هي الألوان التي تطبع شخصيات سبيدرمان وسوبرمان والكل يدور في فلك ألوان العلم الأميركي وهي بالنسبة للأميركيين حالة طبيعية وصحيّة نحو الترويج لمنتَجهم ورفع معنويات الجيل الذي يربونه، أما نحن فأي مبرر أخلاقي ووطني لنكون التُبَّع لخطواتهم تلك، آسفاً لأن كل منزل في وطننا بات لا يخلو من حقيبة أو دفتر تلوين أو قصة أو بوستر (ملصق إعلاني) من هذه الرموز والألوان.
بأرواحهم أطفال
وأشارت الكاتبة لينا الزيبق في بداية حديثها إلى كثرة الكتب البراقة على صعيد الشكل والتي تغري الأهل بشرائها والتي لا تقدم للطفل على صعيد القيمة الإيجابية شيئاً، وهذا برأيها يستدعي أن كاتب الطفل يجب أن يُنتقى بعناية قبل الكتاب وعنوانه، وبينت أن كاتب الطفل يجب أن يكون قارئاً نهماً ليستطيع إيصال فكرته بشكل صحيح وسليم للطفل، وأن يسعى بشكل دائم إلى تنمية ملَكاته الفكرية إلى جانب امتلاكه للغة سلسة وسليمة لينجح في مخاطبة الطفل بشكل أفضل، وأسفت الزيبق بالمقابل لأن الجميع ينظر لكتاب الأطفال نظرة دونية مقارنة مع كتاب أدب الكبار، في حين أن الواقع يؤكد أن التوجه للطفل ليس بالأمر السهل ومن الضروري تهيئة بيئة صحيحة لعمله ومدّه عبر جمعية أدب الأطفال في اتحاد الكتّاب العرب بالمنتَج الأدبي العربي والعالمي الموجَّه للطفل لإعطاء الأفضل ولتطوير مهاراته، خاصة وأن سورية فيها كتّاب رائعون في هذا المجال ومتطلباتهم قليلة وهمومهم وطموحاتهم كبيرة، ونوهت إلى أن كتّاب الأطفال بأرواحهم أطفال وما زال الطفل الذي بداخلهم يلعب ويشاكس، ولولا ذلك لما استطاعوا أن يصلوا لطفلنا.
عين فاحصة
أما الكاتب عبد الناصر الحمد فأكد أن الكثير من الأعمال التي تُقدَّم لطفلنا ليست له ولا تناسبه، وخاصة تلك الأعمال التلفزيونية المصوَّرة التي رفض العمل ببعضها لأنه ليس مستعداً أن يقدم لأبنائه أعمالاً لا علاقة لها بأخلاقنا ولا بثقافتنا، لذلك رأى أنه من الضروري أن ننظر بعين متفحصة وأن تكون لدينا أسس وآلية تربوية لاختيار ما يجب أن نضعه بين أيديهم بحيث يجب أن تقدم لهم القصصُ معارفَ وقيماً واتجاهات ومهارات معينة، وتأكيده على أن يقرأ الأهل القصة بأنفسهم لأطفالهم، وبشكل غير مجتزأ كما يفعل الأكثرية، وتنمية قدرة الطفل على تذكّر أحداثها بعد سماعها، وإعادتها أكثر من مرة، منوّهاً إلى مجموعة من القيم والسلوكيات التي تبثها بعض القصص التي اعتاد الطفل على قراءتها كقصتي “سندريلا”، و”الذئب والعنزات الثلاث” اللتين تناقش بهما مع الأطفال الحضور للوقوف على ما فهموا منهما.
كتب لا قيمة لها
في حين أكد الكاتب أيمن الحسن في مداخلته على هامش الندوة على ضرورة الاهتمام بأدب الأطفال إذا أردنا أن ننهض ببلدنا في ظل وجود كتابات ساذجة مازالت تتوجه لطفل ذكي، خاصة أن سورية فيها الكثير من الطاقات التي لا يُعتنى بها، في الوقت الذي يتحمّل فيه الجميع مسؤولية الطفل من أهل، ومدرسة، وجهات معنية، وأحزنه وجود عدد كبير من دور النشر تُصدِر كتباً لا قيمة لها ولا أهمية، مؤكداً على ضرورة وجود هيئة تحرير مختصة فيها تقوم على اختيار الأنسب لطفلنا، وأوضح أن كاتب أدب الأطفال يجب أن يكون محباً لهم، يعرف كيف يتفاعل معهم، وقريباً منهم، والأهم أن يحمل طفلاً في داخله يكتب من خلاله لهم، واتفق الكاتب صبحي سعيد مع ما ذكره الحسن، ونوّه إلى وجود كتابات رائعة تتوجه للطفل، وأخرى لا تليق به لا شكلاً ولا مضموناً، وأشار إلى أهمية وجود حركة نقدية تقوِّم ما يُقدَّم على هذا الصعيد، خاصة أن أدب الأطفال، برأيه، يجب أن يكون أهم عنصر من عناصر الثقافة والإبداع.
وقد شارك في الندوة مجموعة من الأطفال هم: ربيع وشادي جان (تمثيل)، جعفر وعلي محفوظ (عزف على آلة العود)، ملك حمزة (كتابة القصص)، وقد قدموا فقرات فنية وأدبية، ومداخلات تحدثوا فيها عن دور الأهل في تنمية مهاراتهم الكتابية والفنية، موجّهين الانتقاد للمدارس التي تغيب عنها حصص المطالعة، والرسم، والموسيقا، والرياضة؟!.
أمينة عباس