“الأيام الثقافيـة الهندية” تـطلعـات وتقـاطعـات مخـتلفـة
” قد زرته وسيوف الهند مغمدة وقد نظرتُ إليه والسيوف دم”
السيف الهندي الذي ذكره الشاعر المتنبي في شعره كان حاضراً في افتتاح الأيام الثقافة الهندية في سورية في دار الأوبرا والتي تمتد إلى اللاذقية وحمص، وتعبّر عن تقاطعات بالثقافات وبالمفردات العربية التي تسربت إلى اللغة الهندية وتأصلت فيها، وعن عمق الصداقة بين الشعبين الصديقين الهندي والسوري، لاسيما أن النضال والكفاح كانا طريقاً يجمعهما.
يوم من حياة الهند
استُهلت الفعالية بفيلم توثيقي يعرض جوانب مختلفة من حياة الهند بعنوان “يوم من حياة الهند” وطغت جمالية الطبيعة على الفيلم الذي اتصف بجمالية المونتاج وامتداد الصورة البصرية، والدمج بين مسارات متعددة تتناول تطور التعليم المدرسي والجامعي والتقانات الحضارية بالاتصالات، والتطور بمجال الطب، والرفاهية الحياتية التي تتمتع بها الهند، إضافة إلى تطور وسائل النقل، تلتقي في جانب آخر مع مفردات الحياة الاجتماعية الهندية من حيث ممارسة الطقوس الدينية المختلفة في بلد متعدد الأديان، والتعرّف إلى العادات الاجتماعية السائدة، والفلكلور الهندي الشعبي وما يرافقه من أساطير وطب شعبي وفنون متنوعة، لاسيما فيما يتعلق بالفنّ الأشهر الرقص مع الموسيقا الهندية التي تعتمد على خصائص معينة وآلات خاصة مثل الطبول. وفي جانب آخر أفرد الفيلم مساحة للسينما الهندية التي غدت سينما عالمية تدخل جميع المهرجانات السينمائية، وتوقفت الكاميرا عند أجمل المناطق الأثرية والسياحية، لينتهي الفيلم بلقطة درامية لطفل صغير يتهيأ للنوم ويحلم بغد أجمل وهو يمسك لعبته الصغيرة.
راقصة الأوديسي
وشغلت مشاركة راقصة الأوديسي جانابي بهيرا -التي تميّزت بجمال وجهها الذي يعكس صورة عن الجمال الهندي- مع فرقتها الحيّز الأكبر من الفعالية بتقديمها أربع رقصات للرقص الكلاسيكي التعبيري القائم على الإيحاءات الجسدية وإشراك ملامح الوجه بالتعبير، مع تناغم حركة اليدين وسرعة القدمين وفق اللحن الذي يعتمد بالدرجة الأولى على إيقاع الطبلة.
إيقاع الطبول
وتنتمي الألحان التي رقصت عليها بهيرا إلى الموسيقا الهندية التي تتنوع فيها الآلات الموسيقية، رغم اعتمادها الأكبر على إيقاع الطبول بأنواعها، ليبقى اللحن الإيقاعي هو الأساسي مع اللحن المرافق للناي والكمنجة، إضافة إلى مواضع الصولو لكل منهما، وتعتمد بهيرا في رقصها على عناصر الطبيعة التي تعبّر عنها بدلالات تشدّ المتلقي، وقد بدا هذا واضحاً في رقصتها الأولى “بنشابوتا”، التي استمدت إيحاءاتها وحركاتها من العناصر الخمسة المكونة لخلق الله العظيم “الأرض والماء والدفء والهواء والفضاء المتمثل بالعالم المتخيل والطاقة”، وبدأت بمرافقة الضربات الإيقاعية وجمالية الإضاءة الحمراء، في حين بدت الرقصة الثانية “راجشري بالافي” القائمة على اللحن الإيقاعي “راغا” الماضي بنغماته المتصاعدة الراقصة لتتناغم الحركات مع المقاطع الغنائية بدقة لاسيما مع الامتدادات الصوتية، بدأت بصولو الكمنجة وامتدت مع المسار اللحني الإيقاعي.
أسطورة كريشنا
أما الرقصة الثالثة فكانت هي الأجمل لتميزها بحركات تعبيرية هادئة معبّرة عن أسطورة الإله “كريشنا” المتصف بجمال الوجه والعينين والشفاه والذي يهزم الشيطان الشرير ويسود جماله على الكون، في حين مثلت رقصتها الأخيرة”فارسا فيسارا” لوحة عاطفية تبدأ من استقبال الأرض المطر لتنتهي بانتظار الحبيب، وتتميز بحركات نهايتها التعبيرية الدرامية مع ترانيم الناي، وقد أعربت بهيرا عن سعادتها بلقاء الجمهور السوري وزيارتها سورية رغم كل الأوضاع الصعبة التي تمر بها.
وجوديات هندية
وكان للقراءات الشعرية المترجمة التي اتخذت شكل القصائد الصغيرة دور فاعل وجميل في الفعالية، وقد شكّلت فاصلاً بين فقرتي العرض الفني قدمها د.منذر محمد باللغتين العربية والإنكليزية من ديوان (عشق الروح)الذي ترجمه وضم قصائد لعدة شعراء، منهم طاغور. وقد قرأ قصائد تماهت بين الوجدانيات والعشقيات والوجوديات، منها: “الجواب”
“ابحث عن طفل من امرأة عاقر
عن ابن لا أب له
عن جندي لا ركاب يمتطيه
عن عبق من دون وردة
عن شجرة من دون شذى
عن عالم من دون إله”
وترافقت الفعالية بمعرض التوثيق الضوئي الذي ضم مجموعة من الصور التي تعرض نماذج مختلفة للفلكلور الشعبي بمختلف فنونه، إضافة إلى الأزياء الشعبية والأماكن الأثرية والدينية السياحية، وصور للزعيم غاندي، وما تميز به المعرض هو مجموعة صور لجبال الهيمالايا أطلق عليها علاقة حب، وتضم عشرين صورة من مقتنياته الشخصية عرضت بالتتابع مرفقة بنصوص تشبه القصة محددة بالأيام كما جاء على صورة اليوم الثامن:”هناك تقف الجبال العظيمة المهيبة الجرداء من أي نبات أو حياة، المحبة بكامل قوتها ومجدها لتغمرني كلياً”.
على خطى غاندي
أما معرض الكتب فضم مجموعة كبيرة لكتب باللغة الهندية، إضافة إلى كثير من الكتب الفلسفية والسياسية والثقافية والفكرية، منها”على خطى غاندي، أجراس في المعبد الذهبي،التأمل، الاقتصاد الهندي، الهند عام 2020، طاغور، اكتشاف الهند، غاندي المتمرد، القصة الهندية المعاصرة، إضافة إلى مجموعة كتيبات تعريفية بالهند. وعلى هامش الفعالية تشارك السينما الهندية بعرض أحدث إنتاجاتها لعام 2017 منها”كسبا، سلطان، ماري كوم، وجدتُ كنزاً اسمه الحبّ، الملكة، وغيرها”. والتي تعرف الجمهور السوري إلى أحدث تقنياتها المبهرة وأجمل قصصها الشائقة.
ملده شويكاني