ثقافة

“وجدتُ كنزاً اسمه الحبّ”  أسطورة سينمائية تحاكي الخيانة الداخلية

ليس من قبيل المبالغة أن نقول: إن الفيلم الهندي “وجدتُ كنزاً اسمه الحبّ” أشبه بأسطورة سينمائية، أدخلنا فيها المخرج وكاتب السيناريو سوراجي بارجاتيا إلى عوالم ومناخات وأجواء سينمائية متداخلة ومتشعبة ضمن حبكة متعددة المسارات، لتلتقي جميعها في نقطة هي المحيط بأسره حينما يتغلب الحبّ على كل مشاعر الحقد والانتقام والطمع. لتنضوي رسالة المخرج السينمائية في التركيز على الخيانة الداخلية بالتحديد، إذ لم يتطرق إلى الإرهاب الذي دخل إلى محاور السينما الهندية لدى بعض المخرجين. لينطلق  عبْر الصورة البصرية الواسعة لخلفية الطبيعة الساحرة التي يتحرك خلالها الشخوص مستخدماً كل خصائص السينما الهندية التي تعتمد على أنواع متعددة من فنّ الرقص الإفرادي والجماعي، الذي عكس مشهداً جماعياً يوحي بدلالات تطال الحياة التعددية في الهند من كل الجوانب، ولتكون الموسيقا الهندية المبنية على إيقاع الطبول الكبيرة والصغيرة والتي ظهرت في مواضع في الفيلم محوراً أساسياً من جماليات الفيلم، ليتوقف مطولاً عند أغنية المشهد التي تشغل موضع الحوار، لكن الأمر اللافت هو المفارقات السينمائية في اللقطة التي تجمع بين زمنين، بينهما تباعد كبير بما يوحي باستخدام المخرج ما يشبه السينما المقابلة، بدا هذا واضحاً في عدة مشاهد.

القصر الكريستالي

يرتكز الفيلم بأحداثه على رواية الكاتب “أنتوني هوب”–سجين زيندا- ومن المتوقع أن المخرج اتكأ على الأحداث الرئيسية المحرّكة لقصة الفيلم، ومضى بالسياق الدرامي وفق قراءته الخاصة للرواية التي أدخل إليها من رؤيته التي جمعت بين الرومانسية الطاغية، وقصة حبّ بنهاية غير متوقعة، وباحتدام الصراعات والاقتتال، وجمالية الأمكنة، ليجعلنا موضع حيرة من خياره الدقيق من إيحاءات القصر الكريستالي التي تدور ضمن مراياه وثرياته المعركة الأخيرة والحاسمة من الاقتتال الأخوي، والتي توحي بقراءات مختلفة.

ورغم المشاهد الطويلة وفق خطوط الحبكة المتعددة سادت المشاعر الوجدانية على أحداث الفيلم لتكون الحدث الفاعل، وكانت الورقة الرابحة بيد المخرج هي الأداء المتغير للنجم سلمان خان الذي أدى دوره بنجومية مستخدماً كل أدواته التعبيرية والجسدية والجمالية، من حيث الرقص والغناء والحركات القتالية السريعة، وفي مواضع جسد دور العاشق الصامت الذي تفيض نظراته بكل ما يعتلج صدره من مشاعر هائمة تجاه الأميرة الجميلة التي جسدت دورها النجمة الجميلة سونام خابور-ماتيلي-والتي وظّفت قدرات جسدها بالرقص والغناء والأداء الدرامي.

السقوط والخيانة

يعود الزمن الفعلي للفيلم إلى ما قبل عام 1900وما بعدها لكن الزمن الحقيقي يعود إلى أبعد من ذلك، إذ يعود المخرج بالفلاش باك إلى الحادثة الأساسية التي انطلقت منها الأحداث والتي تفسر حقد الأخوة من الزوجة الثانية للملك، حينما توقع الأميرة الصغيرة بالكرة دون قصد الأخ الأصغر فيكاد يسقط من حافة شرفة القصر على المحيط، لكن الأخ الأكبر الذي هو الأمير “جيفي” الذي سيتم تتويجه بعد عدة أيام ويتعرض لمحاولة الاختطاف والاغتيال ينقذه، ليتكرر المشهد ذاته في زمن الفيلم الفعلي في المشاهد الأخيرة حينما ينقذ الأمير العائد بعد أن تعرض لمحاولة القتل من قبل أخيه الأصغر الطامع بالعرش والحاقد عليه لينقذه ثانية، ويمسك بيده ويشده نحو الأعلى كما فعل في الصغر متجاوزاً خيانته. وتمضي أحداث الفيلم بدخول البطل خان الذي يؤدي دور الأمير الحقيقي فيجي، ودور الشبيه بريم الذي يطلب منه من قبل مساعد الأمير أن يمثل دور الأمير في العائلة المالكة وأمام شعبه ريثما يشفى الأمير من جراحه ويعود، لكن الأحداث تتصاعد وتصل إلى الذروة حينما يخطف الأمير من المكان السري بالخفاء وتحكم المؤامرة على أنه انتحر، فيضطر إلى متابعة دور الأمير ويقع بحب الأميرة ماتيلي خطيبة الأمير فيجي، لتتوقف الكاميرا ضمن خطها الرومانسي عند الكثير من المشاهد العاطفية التي جمعت بين جمالية الطبيعة والموسيقا الرومانسية الرقيقة  المختلفة والأغنيات الجميلة ولقاء العاشقين، كما في مشهد الحديقة السرية المغطاة بالورود البيضاء والموشاة بالأبواب الزرقاء التي تغلقها الأميرة لتستحوذ على قلب الأمير الشبيه.

إصغاء للقلب

في المشاهد الأخيرة يمضي الفيلم بمسار درامي تراجيدي بعد مواقف كوميدية ورومانسية وجمالية حينما يتم إنقاذ الأمير الحقيقي من قبل الأمير الشبيه، ليعود إلى شعبه ومملكته وعائلته وإلى مملكته العظيمة وإلى محبوبته الأميرة ماتيلي، فتكون نظرات بريم الأمير الشبيه لمحبوبته التي تبكي وتودعه من الشرفة انعطافة لمفاجأة غير متوقعة تأتي في المشهد الأخير حينما يجتمع الجميع في مكان عمل بريم في السوق الشعبي ويقولون له “أنت فرد من العائلة”،  ويقدم الأمير فيجي الأميرة ماتيلي لبريم لتصبح زوجته بعدما أصغت إلى صوت قلبها تاركة القصور الباذخة لتعيش معه. وينهي المخرج الفيلم بمشهد راقص في الأسواق الشعبية ضمن ألوان متعددة ومحال متتالية بدلالات رمزية إلى الهند المتعددة الديانات والأعراق والقوميات.. ولتبقى مشاعر الحبّ هي الأقوى. تُرجم الفيلم الذي استغرق ساعتين وعشرين دقيقة إلى اللغة الإنكليزية فقط..مما أضاع الكثير من جمالية الحوار ومفردات الأغنيات التي لم تترجم.

ملده شويكاني