“تصحيح ألوان” تبدأ عروضها اليوم سامر إسماعيل: المسرح هو الممثل أولاً وأخيراً
لحظة العرض هي التي تسوغ لسامر محمد إسماعيل ككاتب ومخرج إعادة سرد قصة مسرحيته “تصحيح ألوان” من خلال شخصيتين يقوم بأدائهما الفنان يوسف المقبل والفنانة الشابة مريانا معلولي، ليعود إسماعيل –كما يبين- بالزمن إلى فترة الثمانينيات، تلك الفترة التي كانت برأيه فترة الأحلام الكبيرة بالنسبة لقطاع واسع من المثقفين والفنانين في سورية، لذلك يعود بالزمن إلى الماضي ليقدم قصته اليوم على خشبة القباني ولجمهور عام 2017.
قصب السبق
يبين إسماعيل أن عمله وإن اعتمد على ممثلين اثنين لهما قصب السبق باعتبار أنه عرض ممثل بالدرجة الأولى فيؤكد أنه عرض لكل الطاقم الذي اشتغل فيه على صعيد السينوغرافيا والديكور والموسيقا والإضاءة، انطلاقاً من إيمانه أن العرض المسرحي هو عرض جماعي يشارك فيه العاملون، كل حسب دوره ومهمته وليس فقط من يقف على الخشبة من ممثلين.
وعلى الرغم من صعوبة إنجاز عرض مسرحي بعدد ممثلين كبير في ظل سطوة التلفزيون وهجرة الفنانين إليه بسبب العامل المادي، إلا أن إسماعيل يوضح أن عرضه المسرحي “تصحيح ألوان” يعتمد على شخصيتين فقط لإيصال رسائل عديدة، ونجاحه في تحقيق ذلك متروك للجمهور والنقاد، مع تأكيده على أن المشاركين في العرض حاولوا الوصول لصيغة مسرحية تحترم الجمهور وتحقق له المتعة والفائدة.
الآن وهنا ونحن والآخر
وعن العمل في المسرح ومغرياته يشير إسماعيل إلى أن المسرح هو فن الناس، وأن هناك أموراً كثيرة لا يمكن البوح بها إلا عبر خشبته، كما أن هناك أشياء لا يمكن كتابتها إلا من خلال السينما أو التلفزيون، كل وفق شروطه الخاصة، معترفاً بأن شروط المسرح مختلفة، وعلى من يريد العمل فيه أن يدرك ذلك، ولذلك يعد الجمهور بأنه سيشاهد عرضاً مختلف المستويات في ظل وجود تقنيات متعددة وظِّفَت لا لتكون مجرد عناصر تزيينية وإنما لتكون في صالح الممثل وأدواته.
وبعد تجربته الإخراجية الأولى “ليلي داخلي” يرى إسماعيل أن التحدي كان كبيراً لتقديم تجربة إخراجية أخرى، انطلاقاً من قناعته أنه إذا كان لا يستطيع أن يضيف على صعيد صياغة عرض مسرحي حارّ وراهن ما يتعلق بمعادلة المسرح البسيط “الآن وهنا ونحن والآخر”، فلا داعٍ لتقديم عرض مسرحي آخر، وهذا برأيه ما يجب أن يكون في ذهن من يريد أن يكتب أو يخرج للمسرح، من خلال الإصرار على تقديم عمل مسرحي طازج يتم فيه نبش الأمور ومحاكمتها، ومن لا يستطيع أن يفعل ذلك فعليه ألا يقترب من المسرح أو السينما أو التلفزيون أو أي فن آخر.
العفش المسرحي
ويُسعِد إسماعيل وجودُ كادرٍ مهم معه مؤلف من الفنانين والفنيين المشاركين الذين اشتغلوا لتحقيق أفضل صيغة ممكنة للجمهور.. وعن أولوياته كمخرج في هذا العرض وانسجاماً مع مضمونه وراهنيته كان أولاً الإصرار على التخلص من (العفش) المسرحي الذي لا لزوم له بحيث لا توجد قطعة على الخشبة لا يتم استخدامها، ونوه إلى أنه يريد من الجمهور أن يكمل ما هو غير موجود عبر مخيلته بدلاً من أن يصادر هذه المخيلة بالذهاب إلى الواقع الصرف.. من هنا اشتغل إسماعيل بالشكل الأقرب إلى ما هو طبيعي على الصعيد الفني وصياغة إيقاع لاهث وحاضر دائماً يستطيع عبره أن يصل للجمهور، لأن إسماعيل لا يريد أن يقدم محاضرة بصيغ جامدة لا على صعيد الحركة ولا على صعيد أداء الممثلين، وذلك برغبته في نقل مقطع عرضيّ من الحياة دون اللجوء إلى المسرحة والمبالغة والتكلف عبر تقديم أداء أقرب إلى ما هو واقعي، وأكد أن الممثلَيْن بذلا جهداً كبيراً للوصول إلى نقطة مهمة على صعيد الأداء.. وكمخرج، وحرصاً على عدم الوقوع في مطب الاستعراض الفني حرص إسماعيل على أن يختبئ – كمخرج- في الممثل ويموه نفسه داخل أدواته وهو المؤمن بأنه يستطيع أن يصل لعرض مهم بتلك الطريقة، لاقتناعه بأن المسرح في خطه العريض هو أولاً وأخيراً الممثل، وبمقدار ما يختبئ المخرج خلف الممثل وأدواته يصل إلى النجاح الذي يريده لعرضه، مبتعداً عن الاستعراض الذي لا معنى له.
من الصفر
أما عن اعتماده على نص من كتابته فيميل إسماعيل إلى التأليف، وقد بدأ في “تصحيح ألوان” من الصفر في الكتابة للمسرح، واعترف بأن مسودات كثيرة كتبت قبل أن يصل إلى ما وصل إليه، خاصة أنه لا يكتب أدباً مسرحياً للقراءة وإنما يكتب للخشبة ومن أجل العرض، وهناك على الخشبة ينتقل لمرحلة الكتابة مع الممثل ليصل لصيغة مسرحية طازجة تعني الجمهور ككائن تاريخي وجغرافي لأن كل ما يتم القيام به هو في النهاية من أجله، لا بكونه حشداً أو كتلة صماء واحدة وإنما كجمهور يتكون من مَشارب مختلفة وأمزجة وطرق تفكير متعددة، فكيف بجمهور كالجمهور السوري بما يتمتع به من حيوية كبيرة؟ كما لا يخفي إسماعيل أن وجوده ضمن الوسط الثقافي السوري وعمله في الصحافة وفي مجال الكتابة قد حرضه على تناول موضوع “تصحيح ألوان” الذي يسلط الضوء على نموذج من المثقفين، مع إشارته إلى أن هذا الوسط يضم بشراً لهم أخطاؤهم وهفواتهم، ومع هذا فهو مدرك تماماً بأن ليس كل ما يوجد في الواقع يمكن أن يصير فناً، مفرِّقاً بين الواقع الموضوعي والواقع الفني حيث لا يمكن -برأيه- نقل الواقع بسلبياته وإيجابياته إلى المسرح أو السينما أو الرواية، حيث ثمة حلول يجب أن يتم الوصول إليها لتقديم الفن.
قلب أبيض
وحول توقعاته من العمل يبيّن إسماعيل أنه ضد الأحكام المسبقة لأن كل حكم مسبق من قِبَله أو من قِبل الجمهور يضرّ بالعرض، ونوه إلى أن الجمهور يجب أن يدخل بقلب أبيض إلى العرض ويتعاطف معه، وهذا برأيه يساعد على التلقي الجيد لأن الفن هو الحب وليس البغضاء، خاصة وأن الأحكام المسبقة تسيء للمخيلة ولحظة التلقي وهي لحظة معقدة، مع إشارته إلى أن للجميع الحق في أن يحب العرض أو لا، ومع هذا فإن المطلوب من الجميع أن يبذل قصارى جهده للوصول إلى صيغة مسرحية تحترم عقل المتفرج وتلبّي حاجاته المعرفية والثقافية والجمالية، والأهم حاجته للمتعة والفائدة.
أمينة عباس