ثقافة

المخرجة سُها حسن: “لم أقلِّد أحداً”

بعد دراستها للأدب الفرنسي درستْ فنَّ التصوير والمونتاج، وحينما عرفت بوجود معهد دبلوم للعلوم السينمائية قصدته لتحقيق ما تريد وتسعى إليه، خاصة وأن وجودها فيه سيتيح لها فرصة إنجاز عمل، وبعد عدة تجارب لم تكتمل كان إنجازها لفيلم “زين” الذي حاز مؤخراً على الجائزة الذهبية في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة في دورته الرابعة.

الحاضن الحقيقي
كمهتمة بفن السينما ومتابعتها الحثيثة لما يقدَّم توجهت سها حسن بشكل لاشعوري لمعهد الدبلوم الذي كان الحاضن الحقيقي لاهتماماتها، وما شجعها أكثر للانتساب إليه وجود أسماء هامة تدرِّس فيه سواء على صعيد الإخراج أو على صعيد التصوير والمونتاج والكتابة، وأوضحت أن وجودها في هذا الدبلوم الذي تبنته مؤسسة السينما غربل رغباتها الكثيرة، فكان الإخراج هدفها، وأشارت إلى أنها من هواة كتابة السيناريو إلا أن الكتابة –برأيها- تحتاج لوضع خاص، إلى جانب أنها تنحاز وبشدة للصورة أكثر من الكلمة.
ولا يمكن الفصل برأيها بين التصوير والإخراج، فكلا الفنين متساويان بالنسبة لها باعتمادهما على تقديم صورة، التي تراها عبارة عن كتاب وتاريخ وثقافة ومخزون لأمور كثيرة، ولكن مع هذا لا بد من قولها أن التصوير هو الذي حبَّبها بالإخراج، والإخراج طوَّر مفهومها لموضوع الصورة التي هي بالأساس وسيلة المصور والمخرج معاً، مع التأكيد على أن المخرج يقدم إضافاته للصورة ويرى فيها ما لا يراه الآخرون، وهو يحتاج إلى إعادة ترتيب لأية لقطة يقوم بتصويرها وفقاً للهدف الذي يسعى إليه ويتدخل في كل تفاصيلها ويختار منها ما يراه مناسباً، في حين أن المصور يهتم بلقطة واحدة، وهو يحتاج لثقافة واسعة جداً ليرتقي لعين المخرج الذي يجب أن يمتلك خيالاً واسعاً وقدرة كبيرة على التحليل، فهذان أمران أساسيان لكل مخرج، إلى جانب امتلاكه لثقافة واسعة، وأن يكون قارئاً من الدرجة الأولى.

زين
منذ بدايات عملها كان همها بالدرجة الأولى أن تقدم شيئاً مختلفاً لتكون لها بصمتها الخاصة، ولا تنكر أنها من متابعي السينما الإيطالية وبشغف كبير، ومع هذا لم تسعَ للتقليد بل لتقديم فيلمها هي، القريب من الواقع الذي تعيشه ويعيشه كل مواطن سوري، معترفة أن وجودها في معهد الدبلوم فتح لها آفاقاً عديدة وقدّم لها فرصاً لم تكن تحلم بها بعيداً عنه، وفي تجاربها السابقة كانت تعمل لوحدها فكان مطلوباً منها أن تكون الكاتب والمخرج ومدير التصوير. أما في “زين” فالصعوبات كانت أقل بفضل وجود فريق عمل من مؤسسة السينما، لكل واحد منهم مهمته، مؤكدة أنها حظيت بفريق عمل متعاون، في مقدمتهم مدير التصوير سومر مغرقوني الذي أدرك منذ اللحظات الأولى ماذا تريد كمخرجة، مع إشارتها إلى أن وجود فريق عمل يجب ألا يلغي بصمتها كمخرجة، فالمخرج برأيها هو الذي يجب أن يقود هذا الفريق للهدف الذي يسعى إليه في الفيلم، ولا تنكر حسن أن العمل على أرض الواقع شيء والعمل على صفحات الورق شيء آخر، فعلى أرض الواقع يستكين المخرج أحياناً للظروف المحيطة، وهذا ما يجب أن يدركه أي مخرج بأن يكون مرناً مع كل المتغيرات التي يفترضها هذا الواقع، ونوهت إلى أن شراكتها الإخراجية مع الفنانة سوزان زكي سببها الحب ورغبتهما في هذه الشراكة، وبينت أن زكي التي اجتمعت بها وتعرفت عليها من خلال الدبلوم كانت تمدها بطاقة إيجابية خلال التحضير للفيلم، ولفتت إلى أهمية الشراكة في إغناء الأفكار ووجهات النظر، أما الشكل الفني الذي كانت تتمنى أن يقدَّم فيه نص “زين” فهو الشكل الذي ظهر فيه كفيلم يتحدث عن الحرب والواقع، وهذا كان يتطلب منها التصوير بمنطقة مدمَّرة من جراء الحرب، وهذا ما سعت إليه لأنها لا تريد أن تضحك على المشاهد، وأوضحت أن فيلم “زين” وإن كان يتناول الحرب في عمق رسالته إلا أن ذلك لم يقدَّم بشكل مباشر، فغابت أصوات القذائف وقُدمت الحرب عبر مجموعة من الأطفال يلعبون بطريقة عنيفة وبصراعات تنشأ بينهم لتكون مقولة الفيلم الأساسية بالتأكيد فكرة الانتماء حينما دافعت الطفلة بطلة الفيلم عن كومة أحجار كانت تقوم بالاعتناء بها ووقعت صريعة من أجل حماية عالمها الخاص الذي كانت تهتم به، وبينت حسن  أن الأزمة في بلدنا متشعبة وتفرعاتها كثيرة، وإن أردنا أن نعالج أمراض بلدنا علينا تشخيصها وتسليط الضوء عليها، فكل طفل من الأطفال في الفيلم كان يمثل نوعاً من الناس، وكما في أزمتنا حاول بعض الأطفال بعد أن شاهدوا كيف تأذت الطفلة الفرار والهرب، في حين أن بعضهم استمر في إلحاق الأذى بها وهي التي كانت تحمي بناءها الحجريّ.

موسيقا وأداء معبِّران
اختيار الموسيقي الذي صمم موسيقا فيلم “زين” لم يكن عن عبث، فمحمد عزاوي -كما توضح حسن- فنان مثقف ولا يقدم موسيقا تزيينية بل يدرس الحالة بكل تفاصيلها، ولذلك قدم موسيقا معبِّرة ترجمت ما يحدث بين الأطفال بدقة متناهية، وقد أغنت هذه الموسيقا عن استخدام الكلام بينهم، وكان هذا خياراً في مكانه بعد أن شاهدت حسن أن حضور وأداء الأطفال كان معبِّراً جداً ويغني عن أي حوار، وأشارت إلى أنها لم تخشَ من التعامل مع الأطفال، ولم تتخوف من نص يعتمد اعتماداً كلياً عليهم، والسبب كما توضح عشقها الكبير لهم وقدرتها على التعامل معهم والذي سهَّل عملية استجابة الأطفال لما تريده بعد أن عقدت صداقة متينة معهم ووضعتهم في صورة كل تفاصيل الفيلم، وهذا ما شجعهم على  إنجاز فيلم شعروا أنهم شركاء فيه.
ولأن الإخراج يختلف بين مخرج وآخر، لذلك من الطبيعي بالنسبة لحسن أن يختلف إخراج المرأة عن إخراج الرجل، حيث المرأة –برأيها- تذهب دوماً باتجاه التفاصيل مع اقتراحها لحلول بسيطة وسلسة، في حين أن المخرج-الرجل يغلب على طريقة تفكيره المنطق في كل ما يقدمه، وتعترف أنها تحاول الجمع بين الجانبين في تعاطيها مع مهنة الإخراج.

التحدي
وتبيّن حسن أن لا أحد يمكن أن ينكر أهمية أي جائزة ينالها، خاصة في الخطوات الأولى عندما تقدَّم له من قبل لجنة تضم شخصيات هامة برئاسة مخرج كبير بقيمة باسل الخطيب، وأوضحت أن فيلمها نال الجائزة كعمل متكامل على صعيد الصورة والموسيقا والمونتاج والنص وأداء الأطفال، لذلك وصل للّجنة بطريقة صحيحة، واعترفت أنه كان لديها إحساس ضمنيّ بأن الفيلم سيُقدَّر بشكل أو بآخر، واليوم وبعد حصول فيلمها الأول على ذهبية مهرجان الأفلام القصيرة زاد نهمها اتجاه الإخراج، والتحدي الحالي لها بعد ذهبية مهرجان سينما الشباب أن مسؤوليتها أصبحت أكبر للحفاظ على هذا المستوى الذي وصلت إليه في فيلمها “زين” والتفكير بعمل آخر مختلف يتم تقديمه بطريقة مميزة من خلال نص قريب من الواقع، مع إشارتها إلى أن الجائزة عززت من ثقتها بنفسها ومن حسن خياراتها.
أمينة عباس