ثقافة

حرج!

غسّان كامل ونّوس

أتطاول مع تمدّد الضوء بشائرَ الفجر، وملاذاتِ المساء، أحاول الاغتناء من ملامحِ التفتّح، وإشاراتِ العبور الملوّنة، والاستزادةَ من الضوع والانتثار الخصيب، والوقوفَ على مشارف المشهد الأثير، في الحيّز المفتون.

يُحرجني الزهر بإشراقته وحماسته، وجرأته في الإجهار بمكنونات الأغصان العارية؛ توّاقاً، من دون حرج، أو زفّة، أو موكب، أو كساء منضّر، سيأتي بعد حين، ومن دون انتظار تبدّل نوبات الفصول التي قد تتقنّع، أو تتداخل، أو تتشاكس، أو تتبادل بعض الأدوار والمهام؛ بل ربّما هو الذي يسهم في الإعلان عن ذلك، ويثبت مواقيته الخاصّة، ويطلق اندفاعته، ويكمل مراحله بصرامة وعزيمة، غير عابئ بما تبقّى من عاصفة، أو تثاقلَ من برودة، أو تسارعَ من غيوم، تجهد؛ كي تلحق بالموسم الآفل؛وغيرَ منشغل بما استجدّ من صحو، وغير خافٍ غبطته، بما سرى من دفء، واستثير من خطا.

يحرجني.. أنا الغاصّ بالكثير ممّا لا أقوى على البوح به، ولا أقدّر أنّني أستطيع الإفصاح عمّا أراه، أو أحسّه؛ بل أبالغ في التظاهر بالحياة،فأهتمّ بتلوين القشور، وتمويه الشكل؛ كي أبدو بالحلّة المحبّبة، واللياقة، والكياسة؛ أمّا ما تعتّق من أحلام وأمنيات، وما تكاثف من عواطف وأحاسيس، وما ألحّ من أفكار ومواقف، فيبقى حبيس النفس والروح، وأسير الظرف والجبن والعجز والقنوط..

تجرّحني التفاتة غاصّة بمشاعر مكتومة، محصّنة بأحزمة العفّة، ومزيّنة بكساءات عابسة أو ضاحكة، مبطّنة بخشونة الوصايا ونتوءات المحاذير؛ تتوسّل بلا أمل، وتعاتب بلا حقد، وتضيع في ثنايا عطفاتها طاقات، وتتعثّر طموحات، وتتبدّد أعمار، وتتعفّن زفرات، وتتعكّر نوايا؛ لا تبدّل الفصول يغيّر في واقع الحال، ولا تعدّد الأوصياء، أو أصحاب القدرات والرغبات والغايات، ولا توالي الأيّام!!

تجرّحني؛ لأنّني أحبّ الحياة، أتوق إلى الانطلاق والانفتاح، أثمّن النظرة الجريئة والوقفة الواثقة، وأقدّر القول الصريح المعبّر عمّا في الداخل، بلا خوف البيئة والقوّالين والمشرّعين حسب الأهواء والمصالح والحال..