ثقافة

من قصص الويسترن إلى عالم السينما

يعتبر إلمور ليونارد، المتوفى في التاسع عشر من آب 2013، واحداً من أفضل كتّاب رواية الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وشاءت الصدفة أن يكتب عن الجريمة، إلّا أن هذه المصادفة لم تكن دقيقة تماماً. صحيح أن رواياته وصلت لأكثر من أربعين رواية، ومنها رواية تركها دون أن ينهيها قبل وفاته، تضم مجموعة من المجرمين، وأولئك الذين يحاولون منعهم عن مساراتهم، إلّا أن هذا كان نادر الحدوث، منذ أن انتهج ليونارد في أن يبيّن بأن الجريمة –أكثر من أي شيء آخر، وحتى أكثر من السياسة –تسمح للرجال من جميع الأعمار بأن يداعبوا أنفسهم عن طريق بيئة زاخرة بالحماقات.
ولكن هناك شيئاً عندما يرتبك الناس، وينسجون من خطأ خطأ آخر، فإن الكثير مما يفعلونه، والكثير مما يتحدثون عنه ليس له علاقة بالجريمة. إلمور ليونارد أو “ديكنزدترويت”، كما قيل عنه، ولد في مدينة نيو أورليانز 1925، لكنه انتقل إلى مدينة دبرويت، بدأ بكتابة الروايات منذ عام 1953كانت كتاباته الأولى تنتمي إلى روايات الغرب الأمريكي (ويسترن) يستيقظ في الخامسة صباحاً، ويكتب حتى السابعة قبل أن ينصرف إلى عمله في شركة إعلانات، حين استقال من عمله استبدل الساعات قليلاً: بات يستيقظ باكراً، ثم يغلق باب غرفته عليه في العاشرة صباحاً وحتى السادسة مساء للكتابة قبل أن تطلب منه هوليوود أن يكتب لها قصصاً لأفلامها، كتب ثلاث روايات ويسترن. الرواية الأولى التي وضعها بعنوان “صائدو الجائزة” لم تتحول إلى فيلم سينمائي، لكن الرواية الثانية “القانون عند راندادو” انتقلت سنة 1990 إلى فيلم “منازلة عند الحدود”، لكن القصة الأولى التي كتبها خصيصاً للسينما، وأنجزت فعلاً كانت “The Tall” سنة 1957 للمخرج المعروف بذلك النوع بديو ويتيكر من بطولة نجم الويسترن آنذاك راندولف سكوت. وفي العام نفسه باع قصة أخرى مباشرة إلى السينما لفيلم نال شهرة أوسع هو “3:10 إلى يوما “ToYuMa 3:10 الذي قام بتحقيقه سينمائي آخر مولع هو: دلمردافز، وقام ببطولته غلن فورد في دور رئيس العصابة الذي يلقي القبض عليه مزارع بسيط أداء فان هفلن. الفيلم نفسه تمت إعادة تحقيقه سنة 2007 تحت نفس العنوان عندما قام جيمس مانغولد باستحداث نسخة من بطولة راسل كراو وكرستيان بايل توازي الفيلم الأول جودة، ولو اختلفت عنها في أسلوب العمل وفي بعض الأحداث والمفارقات. بعد ذلك انفصل درب الكاتب عن درب هوليوود حتى عام 1967عندما باع الأول حقوق روايته “أوميدي” التي نشرها سنة 1961 إلى المنتج والمخرج مارتن رت ليصنع منها فيلماً من بطولة بول نيومان حول رجل من أصل هندي يدافع عن ركاب عربة وقع أصحابها في فك العصابة. تعدد الشخصيات ومصادرها البشرية موجودة أيضاً في “جوكيد” الذي قام بإخراجه عام 1972 جون ستيرجز من بطولة كلينث إيستوود: هو أبيض، كذلك رئيس عصبة الأشرار، لكن الشخصيات التي يقومان معاً بمطاردتها هي مكسيكية –أمريكية، وسوف يقرر ايستوود الانفصال عن العصابات، وتمكين المكسيكيين من تحقيق العدالة بأيديهم من دون أن يعمل معهم مباشرة، بعد ذلك ومع أن الكتابة البوليسية كانت بدأت تنتاب ليونارد وبعض الأعمال السينمائية المستوحاة من رواياته في الستينيات زادت أعماله البوليسية تلك التي سيشتهر بها أكثر من سواها. السينما نقلت عام 1974 رواية ليونارد “مستر ماجستيك” إلى فيلم من بطولة تشارلز بروتسون الذي أدى هنا دور مزارع بطيخ يتصدى للعصابة التي تريد القضاء عليه.
لم تتوقف روايات ليونارد عن غزو سوق الأدب البوليسي، ومنح صاحبها مكانته الخاصة كواحد من أفضل رواة هذا النوع في جيل ما بعد رايموند تشاندلر وجيمس كاين. نجح ليونارد بحل لغز السينما والاقتراب منه، وذلك بسبب اعتماده قصص الويسترن لثلاث روايات من هذا النمط كانت كفيلة بجعل هوليوود تطلب منه كتابة قصص أفلامها، فشرع بكتابة سيناريوهات سينمائية سنة 1957، لقد شهدت فترة ستينيات القرن الماضي زخماً بإنتاجه للسينما، وزادت أعماله البوليسية، التي كانت جوهر نجاحاته النوع الأدبي الذي نجح به ليونارد معتمداً الغموض والإثارة، وله موقع متقدم في دنيا الإبداع والشهرة، وخطوة نحو أضواء السينما. في كتاباته لم يعتمد الزخرف، تأثر بأرنست همنغواي، فقد كان كاتبه المفّضل ومنه استوحى فضيلة ألّا يستخدم المؤلف كلمات كثيرة في وصف أي حالة. لقد أشاد النقاد بأسلوبه البسيط الواقعي وبحواراته المبنية بقوة مخيلته الخصبة. وصلت أعمال ليونارد إلى 40 رواية و26 فيلماً، ونال العديد من الجوائز. اشتهرت رواياته بالأماكن المعبّرة التي تدور بها المشاهد والحوارات أكثر من الجرائم نفسها، أو البحث عن المجرم، واستكشفت الروايات مراراً ثقافة الأقلية بين الجنود والمجرمين، وسماسرة الأسهم، وعمال المصانع، وصناعة الأفلام والمحميات الأمريكية. نال العديد من الجوائز، مثل جائزة غراند إدغار، وجائزة سكوت فيتزجيرالد للإنجاز الأدبي المتميز  في الأدب الأمريكي.
إبراهيم أحمد