ثقافة

طلال الغوّار في “أوّل الحب..أوّل المعنى”.. قصائد للعشق والحياة

“التفاحةُ التي أغوت بها حواء/ أبونا آدم فقضمها/ هي أوّلُ العصيان لكنّها كانت/أوّل الحب أو أوّل المعنى/ المعصية التي ارتكبها أبونا آدم/ جعلتّ منه أوّل عاشقٍ على الأرض” ص 25 –

(يدٌ فيها شموس ومطر): “مابين أوّل حبّ, وأوّل معنى.. هناك شاعرٌ, صيادٌ ماهرٌ, يجيد التقاط اللحظة المؤثرة لتقدح الفكرة, وتنبت تساؤلات كي تصلّ حدّ الحلم. شاعر يُدرك الغوصّ بالكينونة البشرية, من أوّل الخلق حيث الصوت بداية والصدى لاحقاً يجيء. الصورة أوّلاً ثمّ المعنى, وبعد القراءات لمجمل قصائد “الغوار”, وبعد الكتابة أتذكر “جلال الدين الرومي” ومقولته: “الشاعر الحقيقي حتّى لو وضع يده في النار فإنها لا تحترق”.

الآن عرفتُ معناها الكبير وذلك حين تراءت لي يدُ “طلال الغوار” وهي مخضبة بمفردات يُحبّذ  حضورها الممجّد, كالنهر والصباحات والأحلام، والشموس, والأغاني والرّقصات, والخطا, ولحظات فرح مسروقة من بين ستائر حزن, والترنيمة, والمطر, و…, فبالله عليكم من تكون في قبضته هذه القيامات والاشتعالات كيف تحترق يده؟!. (من مقدمة المجموعة الشعرية بقلم الأديبة: نجاح إبراهيم ص 17

الشاعر العراقي طلال الغوّار – في مجموعته الشعرية هذه: يقدم لنا قصائد تنتمي لأسلوب ما يسمى بالسهل الممتنع, وليس سراً القول إن أصعب النصوص الشعرية هي تلك النصوص التي تنتمي إلى السهل الممتنع. طلال الشاعر هنا يفلت من شرك المباشرة, دون أن يقع في السذاجة, ودون أن تفقد قصيدته إيحاءاتها الشعرية ودلالاتها, كذلك طزاجتها, ونكهتها الشعرية. يريد أن يقول, ومن خلال عنوان مجموعته الشعرية أن للحب معنى وللمعنى حب, ومن هذا نستنتج أن العنوان عتبة دالة للولوج إلى روح النص والتوغل فيه أكثر, وأن العنوان أيضاً كان توطئة للدخول إلى النصوص عامة, وهذا بالتأكيد شيء يخص اللعبة الفنية الشعرية:

“لم يبق لي غير القصيدة/أشيرُ بها إلى نجم غيابكِ/ وبها أصدُّ نبال أعدائي/ وهي عصايَ أتكئ عليها وأسير بها حتى أصلَ إلى نفسي” ص 51

نلاحظ التكثيف المدروس والمتقن في بناء الجملة الشعرية, وفي بنية القصيدة بشكل عام عند شاعرنا (الغوار), حيث الانزياحات اللغوية, وتلك المخيلة الشعرية التي تنتج نصا شعريا طافحاً بأصالة الشعر وجماليات المعنى:

“في طفولتي كنت أعلّق وجهي على شجرة/ وأنا أنصبُ تحتها فخاخي كي أصطاد الشمس” ص 28 – يتابع قائلاً: “وأنت تحتفي بتويج ياسمينة. لا تقرأ صباح دمشق إلا شعراً…/ وأنا أتأملُ تويج ياسمينة دمشقيةٍ/ كم أزدري تيجان الملوك” ص 38 –

في الكثير من قصائد هذه المجموعة المشغولة بعناية فائقة, وبذائقة شعرية حميمية, سنجد أننا أمام ما يتقاطع مع قصيدة الومضة أو قصيدة التفاصيل اليومية, وإن كانت القصيدة الطويلة, بمحاذيرها عصية وصعبة, فإن قصيدة الومضة, لا تعطي قيادتها لمن يشاء ولمن يستسهلها, بل إنها تتطلب التكثيف والإدهاش والتحايل على اللغة لقول الكثير في جمل قصيرة ورشيقة قادرة على إيصال المعنى والمتعة في ذات الوقت: “العاشقُ.. أعمى لكنّه يتوكّأ على قلبه/ فتسير خلفه الطرقات ” ص 39

“أيّتها النائيةُ ها أنا أُملي قصائدي للريح فأتّوجُ غيابكِ بالمعنى” ص 49

المتابع لتجارب الشاعر طلال الغوار في تجاربه الشعرية سيجد تلك الحساسية الخاصة تجاه اللغة التي يتعامل معها, بحيث أنه نجح في بناء علاقة شديدة الخصوصية مع مفرداتها, ومن التكثيف الذي أتاح للقصيدة التقاط موضوعها بأقل عدد من الكلمات, ودون الإخلال بالشروط الفنية للقصيدة.

“مات الشاعر لم يشيعهُ أحدٌ.. سوى كلماته” ص 105

يتابع قائلاً: “خرجتَ من عتمةٍ.. وها أنت تمضي إلى أخرى/ فإلى أين تغدُ أحلامك وأنتَ بين هاويتين”.

“هل تشكين من البرد – نعم – هذا قلبي فيه جمرٌ/ فخذيه يكفي للدفيء فصولا” ص107-

قصائد الشاعر طلال الغوّار, بمجملها تحتاج لوقفات أطول لما فيها من اشتغالات وجهد واضح. لقد قرأنا قصائده بكثير من المحبة لما فيها من بناء وتكثيف ومغايرة للقصيدة النمطية السائدة.

(أوّل الحب.. أوّل المعنى) إصدارات دار بعل – دمشق – 2016

أحمد عساف