ذكرى 29 أيار.. الدراما والرواية!
“ليلة التاسع والعشرين من شهر أيار عام 1945، لم تمح الأيام والسنوات التي تلت معالمها من ذاكرتنا البصرية، نحن أبناء مدن سورية عموماً وأبناء دمشق خصوصاً” هكذا بدأ د. إسكندر لوقا روايته “من حكايات ليلة 29أيار” والتي عرّفها بأنها رواية من دفتر المذكرات، وتمضي أحداثها عبْر زمن فعلي لليلة مشؤومة، الليلة التي حملت إلى أبناء جيل الأربعينيات نبأ قصف البرلمان الذي أصاب أرجاء الوطن. ورغم مرور عشر سنوات على إصدار هذه الرواية المتميّزة بأسلوب نسجها السردي الروائي وخروجها عن إطار الزمن الفعلي، بقيت متوهجة وشائقة ووثيقة، لأنها اختزلت من خلال حكايات حقيقية لأشخاص تعرضوا لظلم الفرنسيين وقسوتهم تاريخ شعبنا المناضل ضد الاحتلال الفرنسي، تلتقي جميع خطوطها بلحظة توثق بربرية الفرنسيين–كما ذكر الروائي- فاتخذت شهادات أبناء تلك المرحلة الزمنية حكايات صاغها الروائي وفق الشكل المتصل – المنفصل على غرار ما نشاهده في بعض المسلسلات الدرامية.
ورغم أن الدراما السورية تعمقت في نقل تاريخ نضال شعبنا ضمن حكايات البيئة الشامية وجعلته المحور الأساسي الذي يُبنى عليه العمل، ففي كل الأعمال تقريباً باختلاف كاتب السيناريو والمخرج يقتحم خطّ المقاومة السياق الدرامي، لتتوازى تلك الصورة البصرية التي تجسد مقاومة الثوار في الغوطة ضد جنود الاحتلال الفرنسي ومقارعتهم بأبسط الأسلحة، واحتمالهم الأوضاع الحياتية القاسية ونقص الطعام والبرد وعدم توافر الأدوية، ومن ثمّ الاتفاق على الهجوم والاشتباكات، واجتماع عضوات الحارة لتأمين السلاح لرجال الثورة، وإصابة واستشهاد الأبطال مع مسار الحياة الاجتماعية في الحارة، ومع حكايات وأسرار البيوت، وقصص الحبّ الخفية من خلف النوافذ،إلا أنها لم تركز على هذا الحدث الكبير في درامانا، ولم تفرد مساحة ضمن سياق الأعمال الدرامية لتوثيق دقائق وتفصيلات هذه الليلة السوداء، لقد نجحت الرواية في إيحاءاتها ودلالاتها في توصيف هذه الساعات المرعبة التي عاشتها دمشق والتي بدد هدير الطائرة صمت الترقب والخوف، لتنتهي كما أشار الروائي إلى تمام الساعة الخامسة” ومن فضاء بعيد جاءنا صوت المؤذن: الله أكبر، حي على الصلاة..”ليخرج كثيرون من القبو الذي احتموا فيه طيلة ساعات من سماع أصوات طلقات الرصاص التي لم تتوقف والمترافقة مع أصداء انفجارات وانهيارات هنا وهناك، وأرواح تصعد إلى السماء.
اليوم.. ونحن نستحضر هذه الذكرى الأليمة التي عاشها شعبنا منذ عقود، هل نتوقع أن يتصدى أحد المنتجين المقبلين على إنتاج أجزاء متتالية لأعمال البيئة الشامية التي لاقت صدى وانتشاراً على مدى مساحة الوطن العربي وبلاد الاغتراب، لإحياء ذكراها في وجدان الأجيال القادمة من خلال العمل الدرامي الذي أثبتت الأيام أن له تأثيراً كبيراً على فكر المشاهد.
ملده شويكاني