ثقافة

هدفنا الحفاظ على ما هو أصيل واستقطاب المواهب وقاف: “سورية دراما” منبر لبلد يواجه أشرس هجمة إرهابية

شغفها الوحيد هو الإعلام، تحمل أوراقها يومياً من بيتها إلى مكتبها وبالعكس, فهم أصدقاء دربها، تحمّلت كل الصعاب من أجل الوصول إلى حلمها، بدأت عملها في التلفزيون وعُرفت بفصاحتها وإلقائها الجميل، حبها وولعها بالإعلام كان دافعها نحو المزيد من الجهد والتألق، تميزت بحضورها القوي فهي الإعلامية المخضرمة رائدة وقاف التي لم تشك يوماً من الأيام بأنها ستكون في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورغم مسيرتها الطويلة في الإعلام لم تمل أبداً، بل على العكس تتنقل كالفراشة بين مذيعة ومعدة ومحاورة ومتلقية، لتشغل الآن موقع مديرة قناة “سورية دراما”، وقائدة لفريق إعلامي لتقديم أفضل عمل ممكن.

استطاعت بجرأتها أن تشارك في كل المسرحيات التي قدمتها مدرستها في تلك الفترة، فتقول عن بداية تجربتها الإعلامية: العمل في المجال الإعلامي والقراءة بالنسبة لي  شغف، وقد تجسد ذلك من خلال إلقاء القصائد على خشبة مسرح المدرسة، وحتى لو لم يسجل اسمي في الإلقاء أو أُعطى دوراً في المسرحية كنت “أفرض” نفسي وأشارك حتى ولو في دور صغير. وكانت والدتي تبتسم دائماً قبل العرض لأنها كانت على يقين أنها ستراني مع الأخريات على المسرح بشكل أو بآخر، لأنني لن أرضى إلا أن أكون متواجدة، ولو أنني لم أكن من الأشخاص الذين يحبون الاستحواذ، كنت أسعى لأكون جزءاً من المشهد، وهذا ساعدني في عملي، وتعلمت المرونة التي سهلت الوصول إلى حلمي بسلاسة أكثر، لأن الإنسان كلما صعد مرتبة في هذا الحلم كلما كان في دائرة الضوء أكثر، وبالتالي تكون صعوبة البقاء في المكان أصعب، وربما العراقيل سواء في العمل أو البيئة المحيطة به أو حتى في المجتمع تصبح صعبة لأن النجومية تدخل بتفوق في هذا العمل.

عالمي الجديد

علاقتها بالتلفزيون وصلت لدرجة الوله، وفي ذاك الوقت لم يكن التلفزيون متوفراً في كل البيوت، فكانت والدتها تضطر لإقامة علاقات مع الجيران –المالكين لهذا الجهاز الصغير- خجلاً من ابنتها التي كانت تبقى عندهم لمشاهدته، فتقول عن التلفاز: بعد أن فقدت أمي الأمل في أن أتخلص من تعلقي بهذا الاختراع الجديد، استسلمت واشترت جهازاً، وكنت سعيدة به كثيراً، لقد فصلني عن العالم الخارجي وأصبح هو عالمي الجديد، كنت أتابعه باهتمام وحب بكل برامجه، وأثناء عرض برنامج لصناعة أي شيء كنت أتعامل وكأنني منهم وأحضر كل الأغراض المطلوبة واستكمل كل الطلبات لأعمل معهم في نفس الوقت، وأتفاعل مع أي معلومة يقدمها كأولوية كبرى، وعند فقرة الأغاني كنت أذهب إلى المكتبة لأشتري كلمات الأغاني لأغني مع المطربين.

شغف

وبكثير من الزهو تتحدث وقاف عن علاقتها بالإعلام قائلة: سردت لك هذه التفاصيل لأنها تمثل حالة شغف بالنسبة لي، وأرى اليوم بعض الناس يدخلون هذه المهنة من باب الصدفة أو النجومية ولا يملكون هذه الرغبة أو الموهبة التي ينطلقون منها في عملهم، هؤلاء برأيي لا يستطيعون التطور، ولن يستطيعوا تكبد صعوبات هذه المهنة، وأنا تعلمت في تلك المرحلة المبكرة أن مهنة الإعلام تحتاج إلى الانغماس بها لدرجة تصبح هاجساً يرافق الإنسان حتى في منزله وتفكيره في كل لحظة، والبحث عن كيفية تطوير العمل ليلاً نهاراً، فالإعلام كالضوء يشد إليه الكثير من الناس في هذا الوطن الجميل.

المشهد الكامل

ورغم ولعها بالشعر وإلقاء القصائد والمسرح والقراءة إلا أننا عرفناها إعلامية في المجال السياسي واليوم هي مديرة قناة “سورية دراما” وعن هذا الانتقال تقول صاحبة برنامج “على عيني”: هل يمكن أن ينجح عمل دون أن يحاكي المشهد السياسي، أنا أراها كلها مرتبطة ببعضها، واستحضرت مثالاً على كلامها من  “قصة مدينتين” التي روت ظروفاً سياسية معينة، وصراعاً مجتمعياً، فجسدت مشهداً سياسياً وواقعاً معيناً لتاريخ أمة من خلال رواية، الأحداث كانت بمثابة خطاب سياسي غير مباشر، فأنا لا أعتقد أن الإنسان الذي يهتم بالسياسة لا يكون ملماً بالفنون، وخلال عملي في السياسة كنت أميل غالباً إلى الأدب السياسي أكثر من الخطاب السياسي البحت، ولدينا في هذا المجال العديد من كتّاب الدراما على تواصل مع المشهد السياسي ويقدمون أعمالاً فنية وأدبية، وأكبر دليل على ذلك الأعمال الدرامية الكثيرة التي سلطت الضوء على فترة تاريخية معينة في كل المجالات مثل حمام القيشاني وهجرة القلوب إلى القلوب وغيرها كثير، فهذه كانت دراما تروي واقع ونضال أمة بأكملها.

منبر للحكاية

ولم يكن استلام الإعلامية وقاف لإدارة قناة سورية دراما بمحض الصدفة وإنما كان خيارها، وعن الإستراتيجية التي اعتمدتها في تطوير القناة تحدثت: في مرحلة العدوان والحرب على سورية كان للإعلام السوري دور كبير من خلال المراسلين والمذيعين ومعدي البرامج والكتاب والمثقفين، وبالتالي كانت قناة “سورية دراما” منبراً للحكاية السورية كما يرويها صناع الدراما وكتّابها، وكما يجسدها الممثلون وينقلها النقاد والصحفيون، وعندما أتيت إلى هذه القناة، بدأت من هذا المنطلق الوطني، واعتبرت القناة منبراً فضائياً لبلد يواجه أشرس هجمة إرهابية، فهي حرب عدوانية بفكر ظلامي يستهدف العقول والأجيال، من هنا جاءت أهمية هذا المنبر الذي وجدت فيه أهمية أن تبقى القناة في خط الدفاع الأمامي ضمن خارطة الإعلام السوري عبر تقديم البرامج التي تحمل المعلومة، والمشهد الثقافي الذي يعبر عن الصمود والاستمرارية في العطاء والإبداع، ومواجهة الفكر الظلامي بالفن والموسيقى والشعر والدراما والسينما وبكل عمل إبداعي، نحن نحارب الفكر الإرهابي بالعودة إلى التراث والأصالة والعراقة المستهدفة في هذه الحرب، والتمسك بكل ما هو أصيل من خلال تسليط الضوء على روائع التراث الفني السوري المتواجدة في مكتبة التلفزيون، والتي تعبر عن حقيقة الإنسان السوري الذي لم يعرف التطرف والإرهاب يوماً، إنما كان رائداً بأفكاره وفي كل ما يقدمه من إبداع وعلم وعطاء، وقد خصصت هذه القناة فسحة جيدة للبرامج التي تسلط الضوء على بطولات الجيش العربي السوري وحكايات الصمود وقصص الشهادة، لكن من زاوية إنسانية تكون فيها القناة صلة وصل بين المقاتلين وذويهم عبر إهداء مقطع أغنية أو مشهد معين مع مواكبة الوضع الميداني، لكن بطريقتنا، بالإضافة إلى برامج أخرى مثل “الاتجاه النبيل” الذي يسلط الضوء على كل ما هو نبيل في الفن والعمل الإبداعي، وأخذنا الكثير من الأعمال الحالية وما قدم في ذاكرة التلفزيون وما تحتويه المكتبة من أعمال من الضروري أن تحضر في هذه المرحلة.

أصالة وتجديد

ومن وجهة نظر رائدة وقاف الحرب تعمل على مسح الذاكرة، ومهمة القناة اليوم هي التمسك بكل القيم الأصيلة التي تربينا عليها فتقول: نحن نعطي حيزاً كبيراً لذاكرة التلفزيون، والهدف الأساسي هو الحفاظ على كل ما هو أصيل، والاهتمام بالجيل الجديد من خلال البرامج الدرامية واستقطاب المواهب وتفعيل كل ما هو جميل. نحاول دائماً أن يكون العرض الأساسي لما تنتجه الدراما السورية التي تخوض حرباً بمقاطعتها، ونحن عندما نؤكد على استمرارية الدراما ونكرم نجومها في وطنهم نساهم عملياً في خوض هذه الحرب الإرهابية.

“نجوم درامانا”

وعن برنامج “نجوم درامانا” الذي وجد لدعم الشباب وتشكيل دافع لهم بعد أن ترددت مقولة “هجرة الفنان السوري لوطنه” تقول المذيعة القديرة عن البرنامج: في الحقيقة، سورية ولّادة دائماً للإبداعات الفنية المختلفة، ومسابقة “نجوم درامانا” سلطت الضوء على فنانينا الشباب وركزت على أعمالهم ونجوميتهم أكثر، وأنا أؤمن بمقولة: “الفن الذي لا يشهد للحق هو فن مشبوه حتى ولو كان فناً جميلاً” ومن هنا  سيتحول الاحتفال ببرنامج “نجوم درامانا” إلى مهرجان وطني في المواسم القادمة –حسب ما وعدنا السيد وزير الإعلام-، بحيث يكرم الدراما وصناعها بالتشاركية مع بعض النقاد والصحفيين في اختيار الأعمال التي تستحق الجوائز، وهذا يعطي مصداقية للمسابقة، خاصة وأن قناة “سورية دراما” أطلقت هذه المسابقة وأنجزت موسمين بجهد كبير رغم صعوبة الإمكانات المادية. إضافة إلى حرصنا على تكريم ذوي شهداء الإعلام.

خطة ومعايير

وضمن زحمة مسلسلات موسم رمضان تحدثت مديرة “سورية دراما” عن خطة القناة والمعايير المعتمدة في اختيار الأعمال التي ستعرضها القناة بالإضافة إلى البرامج العديدة التي أعدت لمناسبة الشهر الكريم تقول: عند اختيار الأعمال نتشارك مع قسم التقييم الفكري في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ونعقد اجتماعات عديدة بناء على الدرجة التي ينالها العمل المنتج، ويكون الاهتمام بالعمل المتكامل الذي ينال درجة عالية من الاهتمام. وفي هذا الموسم هناك إنتاج درامي ضخم، ولكن للأسف لن يدخل السباق الرمضاني كله وترك خيار العرض إلى وقت لاحق، ولاسيما أن القناة عملت من بعد حفلة “نجوم درامانا “كخلية نحل لإنتاج مشهد نأمل أن ينال إعجاب المشاهدين، فقدمت باقة من أهم المسلسلات المنتجة حالياً، وهنا كبرامج تسلط الضوء على الإنسان السوري المتمسك بطقوسه وتقاليده ومحبته للحياة على الرغم من كل المواجع، بالإضافة إلى المسابقات وعرض بعض الأجواء الرمضانية والتسوق وحوارات حول الأعمال الدرامية، وهناك حيز للاهتمام بمعرض دمشق الدولي ومسابقة خاصة به.

المسرح الجميل

وعن أهمية عودة معرض دمشق الدولي تقول رائدة وقاف: المعرض يحمل كل ما هو جميل وأصيل، فهو يذكرنا أن دمشق كانت ولازالت المسرح الجميل الذي وقف عليه كل عظماء الفن وأساطين النغم، واستقبل العديد من الفعاليات الاقتصادية المختلفة، ونحن بدورنا في سورية دراما نهتم بشكل كبير بمعرض دمشق الدولي، ونسلط الضوء على جانب الذكريات الفنية الرائعة من صوت فيروز والرحابنة وذكريات مطربين كبار غنوا على هذا المسرح وبقوا يحملون لسورية كل المشاعر النبيلة.

“أصوات”

أيضاً بعد اجتماعات ومباحثات متعددة كان خيار إدارة دار الأوبرا بأن تكون قناة سورية دراما هي قناة عرض “أصوات” وعن البرنامج تقول:

“أصوات” هو مسابقة محلية قدمتها دار الأوبرا للثقافة والفنون لتعرض على سورية دراما كتعاون مشترك لإخراج هذا البرنامج، وقد وضعت خطة البرنامج والانطلاق سيكون من دار الأوبرا السورية، بالتأكيد سيحمل أصواتاً جميلة وعريقة وأصيلة نعتز بها بغض النظر عن الإمكانات المادية المتاحة، والأشخاص المتواجدين في لجنة البرنامج -وأنا منهم- أحببنا الفكرة لأن الشباب السوري جعلونا نشعر بكل الحب لهذا البرنامج والدرب الذي سيسلكه الفنان، لذلك هي خطوة أولى وأنا متفائلة به.

نجم سوري

وسألتها إذا كان هذا البرنامج يساهم في صناعة فنان سوري وخاصة بعد توقف مهرجان الأغنية، فتجيب:

يجب أن يكون هناك أجيال من المطربين، وسورية خرج منها أصوات رائعة وستبقى تعطي، لكنهم بحاجة إلى المساعدة، إن الأصوات التي وصلت إلى دار الأوبرا يتم تدريبها من قبل أسماء هامة مثل كمال سكيكر والمايسترو عدنان فتح الله، لذلك أعتقد أن النجم الذي سينطلق من “أصوات” سيكون نجماً ينطلق من مسرح الأوبرا، وسيقام  في ختام البرنامج حفل كبير للذين وصلوا للمرحلة النهائية، ونحن قلنا “أصوات” وليس صوتاً واحداً لنفسح المجال لأكثر من موهوب بأن يتقدم للبرنامج، فأحياناً يكون التفاوت بسيط جداً ولكن التصويت هو الحكم وربما يكون ظالماً أحياناً، لذلك لم نتخذ بعد قرار التصويت، ونحن نحافظ على الأصوات الجميلة وعندما تنطلق المواهب من دار الأوبرا يكون قد أخذ الدرب الصحيح، وسيكون له الكثير من المزايا التي تساعده على التحليق في سماء النجومية، في البداية يحتار الشباب ماذا سيغنون ويعتقدون أن الفن الطربي هو الأفضل ونحن بدورنا سنذكرهم بأغانٍ سورية جميلة ومن يفوز ستقدم لهم أروع الألحان من ملحني الصف الأول.

ثقة ورضا

وعن رضاها عن مشوارها الإعلامي أجابت: شاهدت من فترة برنامج “في بيتنا تلفزيون” وعمره 22عاماً، وجدت نفسي بعد مرور هذا الوقت أنني راضية عن نفسي وعن تقديمي وإعدادي في تلك الفترة، وأحاول بداخلي -لغاية هذه اللحظة- مهما كان العمل صغيراً أن أقدمه بشكل مميز ولا يمكن أن أقدم عمل بجهد جزئي لذلك أنا راضية لذاتي ولنفسي.

حوار- جمان بركات