ثقافة

“غـرابيب سود”.. والـرسـائـل الملتبـسـة

كانت الدراما السورية السباقة في التطرق إلى تنظيم داعش وتعرية فكره الظلامي في أعمال عدة ، وامتدت تلك الأعمال ضمن إطار الإنتاج العربي المشترك، والأمر اللافت أن مسلسل “غرابيب سود” الذي حظي لهذا الموسم الدرامي بأضخم إنتاج وبمشاركة عربية من دول عدة، يتناول بشكل مباشر معسكرات داعش بما يشبه التقريرية ويمضي بأحداث واقعية.
حقق العمل ومنذ حلقاته الأولى نسبة مشاهدة كبيرة تصاعدت بعد أن هددت داعش بتفجير مبنى قناة (mbc) التي تتصدى لعرضه، فرغم التمريرات السلبية التي اقتحمت السياق الدرامي لخطوطه الشائكة وسوغت نوازع الظلم الاجتماعي الذي دفع بكثيرين للانضمام إلى صفوف داعش، بمن فيهم النساء اللواتي تعرضن لصدمات عاطفية مثل المرأة التي قتلت زوجها لأنه يخونها ولجأت إلى معسكر ما أطلق عليه في أحد المشاهد “أميرات الجهاد”، إلا أنه منذ الحلقات الأولى يحدث صرخة مدوية في وجه داعش من خلال تعرية فكرهم الظلامي المريض، وأساليب القتل المحللة بتورية دينية مستمدة من آيات القرآن الكريم وتحليلها وفق قناعاتهم كي تبيح قتل الآخر بغية تحقيق نعيم الجنة، كما جاء على لسان المفتي “كم منزلاً بنيت اليوم في الجنة”، مما أثار نوعاً من المفارقات والتناقضات كيف يتم التسويغ للأسباب التي ساعدت على تشكيل التنظيم، وفي الوقت ذاته أساليب الكشف عن جرائمهم وخطط تدريباتهم وطريقة تفكيرهم بشكل واضح، مما يدفعنا إلى التساؤل والترقب لانتظار رسالة العمل التي تكشف أوراقه النهائية وتطلق مقولته.
المحاور الهامة التي ركز على كشفها العمل هي بالدرجة الأولى موقف داعش من المرأة، وقد ذهب العمل إلى أبعد من جهاد النكاح الذي غدا قانوناً جائزاً ضمن قوانينهم، ففي مشهد المحكمة تعترف مساعدة القاضي بأن زواج النكاح افتراء على تنظيمهم، وأن على كل امرأة أن تعرض نفسها على المجاهدين وستثاب ثواباً عظيماً، وبهذا تكون المرأة تخطت كل ما حدث في غابر العصور الجاهلية ووصلت إلى درجة لا توصف من العشوائية واللامنطقية.
ولم يقتصر الأمر على هذا وإنما الاستخفاف بالأخلاق بلغ إلى حدّ أبعد حينما تنادي المسؤولة عن معسكر جناح  الداعشيات وهي تنظر من النافذة “انظرن أيتها المسلمات إلى أميرنا-أدى دوره الممثل السوري محمد الأحمد- وإلى شباب الجنة متعنّ أنظاركن بشباب الجنة وهم يذهبون إلى  الصلاة”، وتبدو مفارقة أكثر تأثيراً واستخفافاً حينما تطلب مسؤولة المعسكر من إحدى الداعشيات ارتداء قفازات اليد لأن ظهور الكفين عورة، وأنها مؤتمنة على أعراض المسلمات”.
تدخل المرأة على صعيد التربية أيضاً والتأثير على فتيات الجنة بالإقناع والترغيب والترهيب، لخلق جيل من الداعشيات قادرات على تربية أولادهن وفق قوانينهم، لينتقل العمل إلى التركيز على معسكر فتيان الجنة، والمقصود الأطفال الذين جندوهم بعد اختطافهم قسراً ليحملوا السلاح بذريعة أنهم عصافير الجنة، ومن ثم يتم استغلالهم لتنفيذ العمليات الإرهابية، وخاصة بالحزام الناسف، لتتوقف الصورة عند المحور الأساسي وهو صور القتل بأساليب مخيفة تحدث فعلاً في الواقع لدرجة أنه تمّ التنويه على الشاشة “مشاهد مخيفة غير مناسبة للصغار” إضافة إلى التفجيرات الإرهابية والانتقام من كل من يحاول الإساءة إلى التنظيم لينفذ الأمير بنفسه جرائم عدة، منها قتل عائلة كاملة في منزله الفاخر بعد اختطاف أفرادها، ويصل أمر القتل أيضاً إلى الأسرى بذريعة أن داعش لا تترك أسرى بل تقطع الرؤوس لترهب أعداءَها.
إضافة إلى أحداث الاختطاف التي بدأ بها العمل على لسان الراوي. ومما تحمله شارة العمل يتضح تعاون داعش مع جنسيات أجنبية مختلفة، وتظهر الكثير من الأحداث التي بدأت تتصاعد. وتبقى التساؤلات تحتاج إلى إجابة نحو هذا العمل الذي حظي بكل هذه المؤثرات والإمكانات الضخمة للإخراج المشترك ما الذي يريدون إيصاله إلى العالم من خلال رسالة العمل والتواصل مع المشاهدين في مختلف القارات بعد أن أوضحوا حقيقة داعش رغم التمريرات السلبية؟
ملده شويكاني