مدير المسرح القومي في اللاذقية حسين عباس: ما يبقى هو الفن!

ينحاز للمسرح قولا وفعلاً، وهو المكان الذي وقف على خشبته طويلاً كممثل أولاً وكمخرج في بعض الأحيان، ولم تستطع إغراءات الدراما التلفزيونية -رغم الشهرة التي حققتها له- أن تبعده عنه، وها هو الفنان حسين عباس ومنذ نهاية العام الماضي يقود دفته من خلال تسلمه لإدارة المسرح القومي الذي شارك عباس في تأسيسه منتصف التسعينيات، وهذا ما يجعله عارفاً بأدق تفاصيل العمل المسرحي في هذا المكان وبكل الأوجاع التي يعاني منها المسرحيون، وهو الذي عمل خلال سنوات طويلة مع كل الذين يعملون في المسرح  بمدينة اللاذقية.

التمثيل هو الدائم
لا ينكر عباس أن إدارته للمسرح القومي مسؤولية كبيرة، وهو حريص على تحملها بالشكل الأمثل في سبيل ترسيخ تقاليد مسرحية، وهي مسؤولية مصرٌّ على تحمّلها كرجل مسرح، حرصاً على أن يبقى المسرح القومي البيت الحاضن لكل مسرحي، مع إيمانه أن المنصب زائل وافترضته الظروف، والتمثيل لديه هو الدائم، مع اعترافه أن الإدارة شغلته عن عمله كممثل سواءً في المسرح أو التلفزيون، خاصة وأن الإدارة تُدخِل الممثل المسرحي في تفاصيل تلهيه عن العمل في المسرح.

أبواب المسرح  مفتوحة
وكمدير للمسرح القومي في مدينة اللاذقية يشير عباس إلى أن الهدف من وجود فرقة مسرح قومي في مدينة اللاذقية وفي معظم المدن السورية هو الرغبة في تنشيط الحركة المسرحية، من خلال إنتاج أعمال مسرحية بغضِّ النظر عن الصعوبات والعقبات التي يمكن أن تواجه إنتاجها، مشيراً إلى أن كل من استلم إدارة المسرح القومي في اللاذقية ساهم في بناء لبِنة فيه، وكان له الفضل في استمراره، ولذلك يؤكد أنه لم يبدأ من الصفر في إدارته للمسرح القومي، وهو اليوم بصدد تنفيذ خطة كاملة للعام الحالي تتضمن الأعمال التي يجب إنجازها، إلى جانب العديد من النشاطات الموازية، منوهاً إلى أنه حتى اللحظة يقوم المسرح القومي بتنفيذ هذه الخطة بشكل جيد ووفق ما هو مرسوم، من خلال إفساح المجال للمسرحيين بالعمل ومحاولة تجاوز العقبات التي تكون أحياناً تبريراً لعدم لعمل، وأشار إلى عدم وجود معايير معينة ثابتة لمن يقدم أعمالاً للمسرح القومي، لأن وجودها سيدخِل المسرح في متاهة كبيرة، وبالتالي فإن أبواب المسرح مفتوحة لمن يعشق المسرح وليس فقط لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية أو أعضاء نقابة الفنانين، خاصة وأن عدد الذين يعملون في المسرح ما زال قليلاً.. من هنا فإن الأولوية لمن لديهم همٌّ مسرحي حقيقي، وهؤلاء أثبتوا حضورهم بأعمالهم وإخلاصهم للمسرح، ومن الواجب –برأيه- إفساح المجال لهم للعمل.

لا شروط يفرضها المسرح
ولا يعمل المسرح القومي في اللاذقية وفق مبدأ الموسم المسرحي الذي يبدأ بشهر وينتهي بشهر معين، حيث يقدم عروضه بشكل دائم، وقد أًصبح له جمهور كبير يحرص على متابعتها، وهذا برأيه لم يأتِ عن عبث بل نتيجة عمل مستمر، إضافة إلى ما تنجزه نقابة الفنانين والمسرح الجامعي والبيت العربي للموسيقا وبعض التجارب الفردية لبعض الشباب، والتي يقوم باحتضانها مهرجان الشباب الذي انطلق العام الماضي، مع سعي مديرية المسارح لتطويره دعماً لجهود الشباب ورغبة في استقطابهم والاستفادة من تجاربهم وتحفيزهم على العمل المسرحي.
وحول طبيعة العروض التي من المفترض تقديمها في المسرح القومي يؤكد عباس أن لا شروط يفرضها المسرح القومي على العاملين في المسرح على صعيد النصوص والشكل الفني، حيث لكل مخرج حرية اختيار ما يراه مناسباً على صعيد المضمون والشكل، مع الحرص على تقديم أعمال مسرحية للكبار والصغار، ولذلك تم وضع ضمن خطة المسرح القومي للعام 2017 تتضمن تنفيذ 4 أعمال مسرحية للكبار وعمل واحد للصغار.

من أنشط المسارح
وعن واقع المسرح في مدينة اللاذقية بشكل عام يبين عباس أن المسرح في اللاذقية من أنشط المسارح في سورية، وأن معاناته ومعاناة العاملين فيه في المحافظات عموماً تكمن في بعد هذه المحافظات عن المركز والذي يجعل ما تقوم فيه على صعيد المسرح بعيداً عن الأضواء، حيث تعاني الأعمال المسرحية فيها من إهمال إعلامي، والدليل أن أعمالاً كثيرة قدمها المسرح القومي في اللاذقية وتابعها جمهور كبير دون أن تُسلَّط الأضواء عليها، كما لم تُسجَّل تلفزيونياً، ولإيصال صوت هذه الأعمال تقوم مديرية المسارح أحياناً باستضافة بعض العروض في دمشق على أحد مسارحها.

محظوظ
ويتذكر حسين عباس بداياته من خلال المسرح ويعود بالذاكرة إلى العام 1986 حين وقف لأول مرة على خشبة المسرح تحت إدارة الفنان أيمن زيدان مخرجأ في أحد عروض المسرح الجامعي في جامعة تشرين، مؤكداً أنه كان محظوظاً بالعمل مع مسرحي أكاديمي كبير كـ “زيدان” الذي تعلَّم منه الكثير في أول خطواته باتجاه المسرح، مشيراً إلى أنه انتقل بعد تخرجه من جامعة تشرين إلى المسرح القومي، إلى جانب استمرار مشاركته بالعديد من العروض التي كان يقدمها المسرح الجامعي ونقابة الفنانين، وبفترة لاحقة من عمله كممثل أخرج عباس بعض الأعمال المسرحية، كانت أولها مسرحية “العائلة توت” موضحاً أن كل مخرج لا بد أن يترك بصمته الخاصة على الأعمال التي يخرجها، لافتاً إلى أهمية أن يكون المخرج ممثلاً ومدركاً لأدق تفاصيل عمل الممثل، حيث تصبح العلاقة بين المخرج الممثل والممثلين أثناء العمل سهلة وسريعة، ويبين عباس أن أعمالاً كثيرة يعتز بها، وأن كل عمل من الأعمال التي قدمها قدم فيها جزءاً من روحه لتصل للناس بالشكل الذي يرغب به، وهو سعيد بجميعها وراضِ عنها.

علامة فارقة
وبغضِّ النظر عن بعض التجارب التلفزيونية التي يبدو عباس غير راضٍ عنها، إلا أنه يعتز بالعديد منها التي شارك فيها تحت قيادة مخرجين كبار مثل الليث حجو في “ضيعة ضايعة” و”فنجان الدم” و”الندم” معترفاً أن مسلسل “ضيعة ضايعة” كان علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية وفي تاريخه الفني، وكان لهذا العمل الفضل الكبير في انتشاره وتعريف الجمهور به على أوسع نطاق، وبالوقت ذاته يؤسفه أن بعض المخرجين حاولوا من خلال نجاحه بتجسيد شخصية حسان في “ضيعة ضايعة” تأطيره كممثل كوميدي، ولذلك يرفض العديد من العروض، خاصة وأن الكوميديا لا تستهويه، مبيناً أن النجاح الكبير الذي حققه عمل “ضيعة ضايعة” وضعه في موقف لا يُحسَد عليه لأنه أصبح كممثل مطالباً بتقديم أعمال ترتقي لمستوى النجاح الذي حققه.
وعن مشاركته العام الماضي والحالي في مسلسل “بقعة ضوء” نوه إلى متعة هكذا تجربة تتيح للفنان تجسيد عدد من الشخصيات في لوحات تتطلب التكثيف، وهذا برأيه أمر شاق وصعب.

مصدر رزق
وكرجل مسرح لا يخفي الفنان عباس أن الدراما التلفزيونية بالنسبة له مجرد مصدر رزق، وهي لم تغرِه أبداً.. وعن رأيه فيها يبين أن الحديث عنها يطول، وقد استطاعت بشكل عام أن تحتل مكانة متميزة، أما إذا أراد أن يتحدث عن أجزاء منها فيحزنه أن الكثير من الأعمال على الصعيد الفني والفكري هي أعمال سطحية نتيجة قيام البعض بإنتاج أعمال بهدف الربح بعيداً عن أي هم حقيقي على صعيد المضمون والرسائل التي يجب أن تقدَّم، خاصة وأن العمل في الدراما التلفزيونية بات مستباحاً من قبل الجميع، وهذا برأيه مشكلة كبيرة بتنا نحصد نتائجها اليوم من خلال كثرة الأعمال المتواضعة فنياً وفكرياً، والمشكلة الأكبر أن هذه الأعمال تجد طريقاً سريعاً للتسويق.

السينما
وبعد عدة تجارب سينمائية كـ “بانتظار الخريف” و”مطر حمص” مع المخرج جود سعيد يستمر عباس في تصوير مشاهده في فيلمه الثالث مع سعيد “مسافرو الحرب” موضحاً أنه سعيد على الصعيد الشخصي بهذه التجارب وبتعاونه مع مخرج متميز كجود سعيد، مؤكداً أنه حريص على التواجد في أعمال سينمائية لأن السينما فن خالد لا يموت.
ولأن الأحلام كثيرة ومتجددة يحلم عباس اليوم بتقديم مونودراما على خشبة المسرح ويتمنى أن تقع يده على نص جيد ليحقق هذا الحلم..
وفي هذا الموسم يشارك عباس في أعمال عديدة منها “بقعة ضوء-أزمة عائلية-شوق” و”اسكتشات 1×1″ التي يقدمها يومياً مع الفنان جرجس جبارة على شاشة الفضائية السورية.
أمينة عباس