ثقافة

قناديل العشاق رومانسية طاغية بموســـيقاه ورؤيتــه الإخراجية

ليس بغريب على  طاهر مامللي الذي أطلق عليه الفنان الكبير دريد لحام “دهب الدراما” أن تكون نغمات موسيقاه في مسلسل قناديل العشاق أجمل من أمواج البحر التي كان لها حضورها الفاعل والأساسي في تصاعد الأحداث، فابتداءً من كلمات الشارة بصوت بطلة العمل (إيف اليهودية) سيرين عبد النور “لاكتب مراسيل للعشاق”، إلى موسيقا الشارة والمشاهد الداخلية التي تميّزت بمستويات مختلفة من الموسيقا، وبالدمج بين الزخم الموسيقي القوي المترجم للمحور الأساسي للظلم السياسي المخيم على بلاد الشام في عهد العثمانيين، ليمضي مع البعد الموسيقي العاطفي الذي يبوح بالظلم الاجتماعي والإنساني للشخوص، لاسيما للبطل (ديب) الذي يؤدي دوره بحرفية عالية الممثل محمود نصر. ومما زاد من جماليات نغمات وتريات المشاهد الداخلية، الآهات الممتزجة معها، لاسيما في مواضع مؤثرة تلامس حالة البوح الذاتي للشخصية، لتأخذ لوحات الرقص التعبيري والغناء مساحة ضمن المشاهد، وُظّفت بدقة داخل خطوط الحبكة والسياق الدرامي وفق تتابع الأحداث التي تتعلق (بالمقهى الليلي) المكان الذي تصبح (إيف) مديرته وتدرب فتيات الهوى على الدلال والغنج والأنوثة وترديد أبيات الشعر، حيث يسهر فيه أصحاب النفوذ والتجار ويتبادلون الأقداح يطلبون ودّ إيف التي أوصلتها الأقدار إلى هذا المكان بعد استغلال الآغا لها، وجبروته وإقدامه على قتل زوجها وغرق ابنتها الصغيرة في النهر، لتهرب من جبل لبنان إلى الشام وتبدأ حكايتها مع الزمن، وتأخذها أقدار الحبّ إلى عشق ديب المحطم المنكسر والقوي المتصدي لظلم العثمانيين في الوقت ذاته.

قناديل العشاق- سيناريو خلدون قتلان المتعمق بهذه المرحلة التاريخية وإخراج سيف الدين السبيعي المبدع في أجواء البيئة الشامية- يشغل الناس ويحظى بمتابعة كبيرة وحصل على المرتبة الأولى بتصدر قائمة العرض، إذ يعرض على ثلاث عشرة قناة، مما يدل على أهمية هذا العمل الذي يشكّل علامة فارقة في خارطة رمضان بإعادة العمل التاريخي بروح البيئة الشامية إلى الحضور والمنافسة بأجوائه وأزيائه والديكورات الخاصة في زمنه العائد إلى عام 1734، المرحلة المضطربة تاريخياً التي عانت خلالها بلاد الشام من فرض الأتاوات الكبيرة، ومن تفشي السرقات والجرائم.  وقد اعتمد الكاتب على تفاصيل تلك المرحلة في الإطار العام للعمل لتنسحب إلى حكايات اجتماعية وقصص حبّ تمضي مع أضواء القناديل، لكن الحدث الأساسي الذي بُني عليه العمل هو حضور الغياب بغياب فارس-خالد قبش- وإصرار زوجته-ديمة قندلفت- على عودته التي باتت مستحيلة بعد خبر موته، ولكن الأحداث تمضي مع حضوره بشخصية جديدة وننتظر كشف الشخصية الحقيقية في الحلقات القادمة، وتتصاعد الأحداث أيضاً مع مطاردة إيف من قبل رجال الآغا الذي قتلته.  قد تبدو الأحداث مكررة في أعمال سابقة بصورة مختلفة فحضور الغياب كان أيضاً الحدث الأساسي في مسلسل بنت الشهبندر، والمطاردة سمة في كل الأعمال التاريخية، إضافة إلى شخصية الزعيم القادر على التحكم بالأمور بشخصية الفنان القدير رفيق علي أحمد، لكن الورقة الرابحة كانت مشاركة سيرين عبد النور التي نجحت فعلاً بأدائها المقنع للشخصية بوجهها الرومانسي وأنوثتها ورقتها، وبما تخفيه من أسرار ومشاعر، فشدّت المشاهد لمتابعة العمل ضمن خطوطه المتداخلة بأبعادها السياسية والاجتماعية. والأمر اللافت هو التقنيات التي استخدمها المخرج سبيعي لتنفيذ رؤيته الإخراجية بروح رومانسية طاغية هيمنت على العمل، أجملها الصورة البصرية التي جمعت في وقت واحد بين زمنين متباعدين لحاضر الشخصية وواقعها وفي الوقت ذاته بتداعي الذكريات واستحضارها داخل اللقطة مع اعتماد الشخصية على البوح الذاتي، الذي كان انعكاساً للسرد الدرامي، ولامس بشفافية ومضات إنسانية اتسمت بالحزن الشفيف وانهمار المطر الغزير، كما في المشاهد التي سرد فيها ديب حكايته منذ تعثر ولادته وطفولته الفقيرة إلى موت أبيه، وذكريات إيف لحظة قتل زوجها ومن ثم دفنه بيديها.

الرومانسية الطاغية كانت آسرة أيضاً في المواقف الحزينة التي يتعرض لها ديب   وشكّلت في العمل رمزية للظلم الإنساني والعجز إزاء الفقر والحاجة وتنكر المقربين والأهل، لتكون رسائل مباشرة يحملها العمل ضمن ورقته الأساسية وهي ظلم العثمانيين وجبروتهم وتاريخهم الأسود الذي لا يتغير.

ملده شويكاني