“لستُ جارية”.. لاتزال المرأة ضحية الرجل “الضحية”
بدت الأعمال الاجتماعية في السنوات الأخيرة متشابهة بخطوطها الدرامية التي تحارب ملفات الفساد الوظيفي والإداري بدءاً من الصراع على السوق والتحكم فيه، إلى الفوارق الطبقية والسلوكيات الناشئة في محيط كل طبقة، والتي يكرس بعضها سلبيات تقود إلى انحرافات أخلاقية، تتقاطع في جانب منها باستغلال المرأة بصور مختلفة، منها ما يؤدي إلى سقوطها اجتماعياً، كل هذه الخطوط المتغلغلة بحيثيات موجودة فعلاً بمجتمعنا ولو بنسب ضئيلة تنسحب لتطال بعض المجتمعات العربية، وقد تطرقت إليها درامانا بجرأة، وهذا يضيف نجاحاً إلى مصداقيتها في اكتشاف السلبيات وإلقاء الضوء عليها.
وفي دراما الموسم الحالي تناول العمل الدرامي “لستُ جارية”–سيناريو د. فتح الله عمر وإخراج ناجي طعمة -المستمدة أحداثه من رواية لكاتب السيناريو، كل هذه الخطوط بانتقالاته المشهدية من عائلة إلى أخرى، إلا أنه ارتكز على قضية الاعتداء على الفتاة ومحاكمة المجتمع لها رغم أنها الطرف المظلوم، لتدفع الثمن في حياتها المستقبلية، في الوقت الذي يبقى فيه الفاعل الحقيقي المذنب دون عقاب.
ورغم أن مسألة الشرف تطرقت إليها الدراما الاجتماعية ودراما البيئة الشامية وأفردت لها مساحة ضمن تشابكات الحبكة، إلا أن هذه المسألة الحساسة كانت محوراً أساسياً في “لستُ جارية” عبر علاقة ميس-كندة حنا- وغالب- عبد المنعم عمايري، إذ اعترفت له بعد الزواج بالاعتداء عليها وهي صغيرة من قبل ابن الجيران، لكنه عدّها ساقطة وتباينت ردود أفعاله بإهانتها وتفكيره بالزواج مرة ثانية من إحدى صديقاتها التي وصفها بمفهومه بالملتزمة اجتماعياً على النقيض من زوجته، ومن ثم بإغاظتها بإقامة علاقة غير شرعية مع إحدى صديقاتها، ليكتشف أنه تم الاعتداء عليها من قبل ابن الجيران أيضاً.
المشكلة التي أثارها العمل بالدرجة الأولى تعري أمام المشَاهد إحدى سلبيات التربية المتمثلة بالتهاون الأسري بمراقبة الأبناء وخاصة الأم، وعدم تحملها مسؤوليتها التوعوية تجاه بناتها بشكل خاص، ليناقش العمل ضمن تصاعد السياق الدرامي مشكلة الخوف وعدم القدرة على المواجهة من خلال تباين مواقف الفتاة، ميس بقيت خائفة من هذا السرّ، ولم تعترف لأهلها ولم تعالج المشكلة بمعاقبة المتسبب بإيذائها، في حين غيّر هذا السرّ حياة صفاء- صديقتها- فغدت تعيش علاقات متعددة أودت بها إلى الانحراف السلوكي إثر اعتداء ابن خالها عليها. ولم يقف العمل عند إلقاء الضوء على المشكلة وإنما امتد إلى تبعاتها التي عرّضت غالب إلى الإصابة بمرض نفسي نتيجة عدم مقدرته على تناسي الماضي ومسامحتها لاسيما أنه لا ذنب لها، لتتطرق الدراما بجرأة إلى دور الطبيب النفسي في محاولة معالجة غالب من تأثره بفكرة الاعتداء على زوجته واتهامه إياها بالانحراف.
تتقابل هذه المشكلة مع مسألة سلطة الأب وتحكمه بخيارات أولاده، ومعاملته الفظة اعتقاداً منه بأن ما يفرضه هو الأفضل، كما في الخط الدرامي الذي جسده الفنان القدير عبد الهادي صباغ، لتتقاطع هذه الصورة مع ظلم الأب – الفنان زهير رمضان- لأسرته بالتخلي عنهم والزواج من امرأة ثانية، مما يجعل ابنته- الفنانة رنا شميس- تصاب بعقدة نفسية تجاه الرجال فتعمل على تعذيب خطيبها انتقاماً من والدها. ويلتقي هذا البعد النفسي مع ملفات الفساد كما في استغلال فؤاد –الفنان زهير رمضان- زوجته الثانية –سوسن ميخائيل- لموقعها الوظيفي لتحقيق مصالحه الخاصة، وتفاقم الاستغلال ليأخذ فيما بعد دور الصراع العائلي والمالي ويصل إلى حدّ الانتقام.
ونقف عند الأمر الهام الذي تكرر في الأعمال الدرامية وتصدى له العمل أيضاً وهو استغلال رب العمل حاجة الفتاة الفقيرة كما في استغلال فؤاد سكرتيرته روعة- إمارات رزق_مما يؤدي إلى تفكيرها بالانتقام وارتكاب جريمة، إضافة إلى مسائل اجتماعية مازالت موجودة في مجتمعنا ومرفوضة مثل رفض الأب-عبد الهادي الصباغ- زواج ابنه الشاب الطبيب من امرأة سبق لها الزواج وأكبر منه سناً، ومحاولة تشويه سمعتها ليبعد ابنه عنها إمعاناً في ظلمه، في الوقت الذي يصرّ فيه على زواج ابنته من رجل يكبرها سناً ومتزوج ليبعدها عن حبيبها الشاب المبتدئ في تجربة الحياة، بعد أن اتهمه بتهريب المخدرات.
عالج العمل كل هذه المسائل الاجتماعية بأساليب مختلفة بعضها يلجأ إلى العنف والتهديد الذي يؤدي إلى ارتكاب أخطاء أكبر، وبعضها الآخر يبحث عن طوق النجاة من خلال كشف أوراق الحقيقة، ليبقى الأمل حلم الجميع. وتبقى مصائر شخوص العمل مرهونة بتصاعد الأحداث والمفاجآت التي تكشفها الحلقة الأخيرة.
ملده شويكاني