ثقافة

مرة أخرى

أمينة عباس

لم تكن العملية الفنية الإبداعية منفصلة  يوماً عن العملية النقدية، فمنذ أن عرفت البشرية النشاط الفني تزامن هذا النشاط مع فعالية (نقدية) تنظيرية ارتبطت بظهور بعض الأفكار التي حاولت وضع العمل الفني ضمن أطر معينة في شكل من أشكال قوننة هذا النشاط ووضع ضوابط محددة لا بهدف تحجيمه أو الحد من انطلاقته بل بهدف وضع أسس ومبادئ له.. ومع مرور الزمن تحولت هذه المحاولات (النقدية) إلى مدارس ومذاهب تعددت بتعدد المدارس والمذاهب الفنية واتجاهاتها.
والواقع أن نشاط الحركة النقدية الفنية –في بلادنا على الأقل- ارتبط بمواسم فنية محددة، ففي المهرجانات السينمائية والمسرحية على سبيل المثال تنشط حركة النقد السينمائي والمسرحي حتى تكاد صحفنا ووسائل إعلامنا تمتلئ بهذا النوع من الكتابة النقدية التحليلية، وكذا الأمر أثناء ازدحام صالات الفن التشكيلي بالمَعارض، وفي المواسم الدرامية التلفزيونية الرمضانية يزدهر النقد التلفزيوني حتى ليكاد يطغى على ما سواه من مواد صحفية.
ومع تعدد وسائل الإعلام ووسائط التواصل وطرح وجهات النظر والأفكار الخاصة ازدادت أفقياً حركة (النقد) الفني إلى درجة أصبحنا فيها نشعر أن كل من يمتلك صفحة فيسبوكية تحول إلى ناقد فني.. ومن حيث المبدأ لا يمكننا وليس من حق أحد أن يصادر آراء ووجهات نظر المتلقي للعمل الفني بغضِّ النظر عن سوية هذا المتلقي وذائقته الفنية وذخيرته الفكرية، لكن معظم هذه الآراء لم تخرج عن النظرة الضيقة والأحادية للعمل الفني، وهنا لا نطالب بالطبع أن تكون مجمل هذه الآراء اختصاصية أو أكاديمية لكننا ندعو إلى عدم تحجيم هذه الآراء وحصرها ضمن أطر ضيقة ومحدودة، والملاحظ في هذا الإطار أن بعض هذه الطروحات شخصاني بحت، فهو إما يريد الترويج لفنان أو لفنانة محددين أو يهدف إلى النيل من بعض التجارب أو الأشخاص لأسباب لا يعلم بها إلا مُطلِقها، والمشكلة أن هذه الآراء يمكن أن تتحول إلى وجهات نظر يتبناها البعض دون تمحيص أو دراية أو علم بخبايا النفوس والدوافع الكامنة وراء اتخاذ هذه المواقف.
بكل الأحوال تبقى المواسم الفنية فرصة لشحذ الأفكار وتفعيل المخيلة أملاً في أن نصل إلى اليوم الذي تتحرر فيه كتاباتنا من النظرة المحدودة للأمور وتنطلق نحو أفق أوسع.