فعالية فكرية ثقافية بمناسبة ذكرى اغتيال الأديب غسان كنفاني
أقامت وزارة الثقافة ومديرية الثقافة بالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مؤسسة غسان كنفاني في الأمس فعالية فكرية ثقافية بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لاغتيال الشهيد الأديب غسان كنفاني في ثقافي أبي رمانة، بدأها د.حسن حميد قائلاً: بعد مرور حوالي 45 عاماً على رحيل غسان كنفاني ثمة أسئلة تدور حول جانبين هما أدبه وحياته الشخصية وهي حياة قصيرة اقل من 36 سنة وفيها تجاذبات سياسية واجتماعية وإعلامية، أما أدبه فتجلى عبر امتدادات لأجناس الأدب، وكلاهما دائرة الحياة والأدب يشكلان تحدياً غير مسبوق لأديب صاحب قضية ولد وعاش ومات لأجلها.
مدار فلسطيني
ولفت حميد إلى أن من يجول في حياه غسان، يرى أن أحلامه كانت مطلقة نحو فلسطين، فكل حياته وعلاقاته ذات مدار فلسطيني، ثم ركز حميد على حياة غسان الشخصية وأسرته وأخته فايزة التي كان لها دور كبير في حياة الأسرة، وكانت أول من شجع غسان على الكتابة، فالحياة الاجتماعية لغسان ليست طويلة ولكنه عاشها متأملا حالماً وكاتباً وسياسياً ونقابياً، وقد واجه تحديات داخل أسرته وفي البيئة التي اختارها منصة للحضور، لاسيما حين تسارعت أحداث القضية الفلسطينية والتقى حينها غسان الشاب بقامات علمية وحالات إعلامية وسياسية وثقافية، وكانت المنادة الوطنية على أشدها وقد دفن روحه في الكتب ليكون على سويتهم، كما قرأ الأدب الصهيوني لافتاً أن حياة غسان كانت حياة سهر لم تشبع من اليقظة، وحياة نشور لم تشبع من الحضور، وبيّن أن ترسيمات الفكر كانت بادية من خلال أحاديثه ومقالاته وحواراته .
وغسان كنفاني الأديب هو رجل محير ومدهش وخلاب ومذهل، وهو صاحب النشاط السياسي، كوّن لنفسه شهرة عمت المدن العربية، وكان بإمكانه أن يكتفي بجهة إبداعية واحدة، لكن روحه المشتعلة كانت في الطريق الذاهبة إلى فلسطين. وختم حميد: “أشعر وأنا أتقفى التجربة الكنفانية أنه كان يشبه الزمن في حضوره وسطوته وحاجة الناس إليه.
الشهيد والرفيق
وقدم الرفيق خالد فهد كلمة (مروان عبد العال) بالنيابة عنه جاء فيها: اعترف أني سمعت باسمه للمرة الأولى يوم استشهاده، لم أكن اعرفه من قبل، ولم أحظ بمقابلته في الحياة، وهذا شرف لا أدعيه وان كنت أتمناه، ولذا ترسخ في ذهني شهيدا منذ تردد اسمه وسط أناشيد ثورية تصدح من مكبر صوت مثبت فوق خزان مياه قرب مكتب الجبهة الشعبية، ثم تناول (غسان الشهيد) بالقول: قرأته بقرار حزبي كان كتابه هو المادة التثقيفية للمرتبة التنظيمية، وقد صرت أكثر شغفاً باستطلاع غسان الأبعد من الشهيد، وتحول إلى المعلم والراوي والقائد، وكنت اكتشف نفسي في نصه الجديد وفكرته المبتكرة، ولم أكن وحدي على هذا الحال فغسان استدرجنا إلى غواية القراءة والمطالعة التفاعلية وبقرار تطوعي اعتبرت نفسي انتمي إليه، فهو المثقف الثوري الذي صاغ المفهوم الأعمق والأدق للعمل السياسي، لبلورة إستراتيجية الصراع وبناء الحركة الوطنية الفلسطينية كحامل وطني للمشروع التحرري، كما أنه كان المناضل الذي انخرط في مشروع الاشتباك التاريخي المجتمعي.
ونوه عبد العال إلى أن (المفكر غسان) لم يخسر معركته ضد العدو، وقدم نتاجاً متدفقاً غزيراً أغنته ثقافته الواسعة، وتميز كأسلوب في المقاومة الثقافية وقد علمنا طريقته في وعي الآخر ومراجعة المسار التاريخي وبحث بعمق في صورة البطل المخترع، أما في دراسته للأدب المقاوم فنجد أن غسان كتب عن أن الشكل الثقافي في المقاومة له أهمية قصوى ليست أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها، وكتب كذلك عن التحولات التي أحدثها الأدب الصهيوني في الشخصية اليهودية، وبيّن أن غسان كنفاني كان الاسم الأول على لائحة الاغتيال للتخلص من هذا العيار الثقيل من القيادة، هذا البطل الايجابي، والأصل هو الفكر الظلامي الأحادي، ولا يموت غسان إلا إذا أسقطنا الكنفانية عندما نردد رطانة السياسة بإقصاء الثقافة، فغسان ترك لنا شيئا لا يذهب.
كذلك قرأ لنا وليد عبد الرحيم مادة لغسان كنفاني كانت مغمورة لسنوات مضت كتبها في دار الندوة في بيروت وألقاها أمام 16 زميلا في عام 68 بعد نكسة حزيران ولم تكشف هذه المادة إلا في عام 2016، وهي بعنوان (التغيير واللغة العمياء) وفيها استقراء لتلك المرحلة، وقراءة أسباب ونتائج هزيمة حزيران، ويطرح غسان فيها قضية أراها من أهم ما كتبه في تاريخه الفكري، وهي تناقش استبعاد الماكينة المجتمعية العربية لدور الشباب خشية التغيير، لافتاً إلى أن غسان يقصد الشباب بالمعنى العمري وشباب الفكر والقدرة على المواكبة والتأثير في النزعة المستقبلية ويتحدث عن الهزيمة ليس باعتبارها فقط هزيمة جيوش، وبيّن عبد الرحيم أن لغة غسان مدهشة إذا ما وضعت في سياقها الزمني وميزتها تكمن في ابتعادها عن اللغة السائدة، وعبقريته تكمن في أنه يقرأ كل الواقع بلغة مختلفة عن السائد، فقد صاغ وجهة نظر عميقة بعيدا عن الخطاب وقرأ الواقع بطريقة يمكن تطبيقها على ما يجري اليوم، كما ويمكن اعتباره هو المؤسس الحقيقي الأول للإعلام الفلسطيني، وتحدث عن ثقافة الشعارات التي يتصارع أصحابها، وهناك استثنائية في التعاطي بعين غسان والمادة تصلح لإعادة القراءة وووضع إستراتيجية تنويرية.
لوردا فوزي