ثقافة

في اللقاء والجدوى

لا يكفي، أحياناً، أن تكون النيّة صافية، وأن يكون القصد نبيلاً، والأداء صحيحاً، حتّى تتمّ مراسم الفائدة، وترتسم علائم النجاح؛ مع أنّها عناصر مهمّة في تحقيق الهدف، أو السعي الجادّ في الطريق إليه؛ فهناك عناصر أخرى، ينبغي تأمينها، أو الاهتمام بذلك..
منها الجمهور المستهدف؛ فإلى من تتوجّه بحديثك؟! وهل الحاضرون مستعدّون للاستماع والمشاركة؟! وما الأسلوب المناسب لذلك؟! وهل هم مختلفون عنك في الأفكار والاهتمامات؟! وتريد منهم أن يغيّروا مواقفهم، وأن تقنعهم بما لديك، أو على الأقلّ تدفعهم إلى أن يعيدوا التفكير في الأمر؛ فقد يتحوّلون إلى صفّك! أم أنتم في جبهة واحدة، وموقف موحد، وتيّار واحد؟!وتريد منهم أن يثبتوا على ما هم عليه، ويتشبّثوا أكثر بقناعاتهم، التي قد يعتريها الاهتزاز أو العكر؟!
ولكلّ من الحالين أسلوبها..
فليس مفيداً تكرار ما يعرفه محالفوك، وما هو مفهوم ومستهلك؛ من دون أن يعني ذلك عدم اللقاء المتجدّد مع هؤلاء المناصرين، وإيجاد ما هو مطلوب لشدّ أزرهم، ورفع معنويّاتهم!
وليس مجدياً ترداد مقولات جامدة، ومواقف باتّة، متحدّية، مستفزّة، وشعارات مصفّحة، أمام من ليسوا في صفّك، وبينك وبينهم فروقات كبيرة، وأخاديد وانهدامات؛ من دون أن يعني هذا رجوعك عن مبادئك ومواقفك، إذا كنت مقتنعاً بها، أو استسلامك لِما يريدون، وحينئذ لا داعي للوقوف في هذا الموقف!
وتختلف طريقة تناول القضيّة؛ أيّة قضية، إذا ما كنتَ أمام جمهور متعدّد المستويات، عنه في حال الحوار مع نخبة أو مجموعة مختارة، للوصول إلى قواعد، ومنطلقات، وخلاصات، ومرتسمات..
كما يختلف الأسلوب، حين يكون الطرف الآخر خصماً أو معادياً، أو مشكوكاً في منطلقه وأهدافه، التي قد تكون كارثيّة، عنها لدى اللقاء مع فريق يكتنف العلاقةَ معه الودُّ والثقة، وتوشّيها الألفة، والرغبة المشتركة في الوصول إلى حلول، تؤمّن العيش المشترك، والمصلحة المشتركة، مع وئام واحترام.
ومثل هذه الحالات، تسِمُ اللقاءات قليلةَ العدد وصولاً إلى الجماعيّة؛ كما حين تكون متعلّقة بشؤون شخصيّة أو عامّة!
ومن العناصر المهمّة أيضاً، في مثل هذه المناسبات، التوقيت، الذي يمكن أن يحضر فيه المعنيّون، ويستمعوا باهتمام، ويشاركوا بفعاليّة؛ لا أن يكون الأمر أداءَ واجبٍ بارداً، أو رفعَ عتب، أو اجتنابَ شرِّ مساءلة..
والموعد المناسب، لا يعني تحديد الوقت، فحسب؛ بل اليوم والأسبوع، والموسم أيضاً؛ فهل الناس مشغولون أيّام المدرسة والجامعة، والامتحانات، والأعمال الأخرى؟! والموعدُ النهاريّ لا يناسب العاملين في الوظائف العامّة والخاصّة، والمهن المتعدّدة، ولا يحضره سوى المتقاعدين، والعاطلين، والهاربين من ارتباطاتهم اليوميّة، والمرافقين للمسؤولين، الذين يحضرون تزييناً أو رعاية! وقد يغادر المرافقون الشرفيّون معهم أو بعدهم بقليل، إلى أيّ مكان آخر، سوى الوظيفة! والموعد المسائيّ لا يناسب الريفيّين، الذين سيجدون صعوبة في العودة، وبعض الشرائح في المجتمع؛ ولا سيّما في الظروف غير الطبيعيّة.
وتدخل نوعيّة النشاط، وموضوعه، ومناسبته للناس المدعويّن،في قضيّة التفاعل والجدوى؛ كما أنّ للداعين والمساهمين في النشاط أصداؤهم وتأثيراتهم الإيجابيّة، أو المنفّرة، قبل الفعاليّة وبعدها؛ يضاف إلى ذلك التحضير الجيّد للمكان، والاهتمام بالدعوات وآليّاتها، والتقييم الموضوعيّ لنتائج العمل.
كلّ ذلك، لا بدّ من التفكير فيه، ومراعاته، إذا ما كنّا نريد للقائنا أن يكون أكثر فاعليّة، ولحديثنا مستمعون مهتمّون، وللمناسبات أن تكون أكثر جدوى. وإذا أردنا ألّا نضيع أوقاتنا وجهودنا وحواسّنا بلا فائدة..
يضاف إلى ذلك أسلوب الحديث، والنبرة المعتمدة، والسياق المتّبع؛ فهل في ذلك احترام وتقدير وتواضع وتقرّب، أم تفاخر وتعالٍ واستعراض وتعالُم واستفزاز؟!  وليس هناك من لقاء يخلو من مثل هذه المسائل؛ بعضها أو كلّها، بهذه النسبة أو تلك.  وإذا كان الكلام الذي سبق، لم يحدّد طبيعة اللقاء، فإنّ لكلّ من اللقاءات خصوصيّة، قد تخالف بعض ما سبق ذكره، أو تفارقه، مثلما تكون الحال حين النشاطات الثقافيّة، التي قد لا يكون مطلوباً من المرسل أن يغيّر من إبداعه؛ نزولاً عند رغبة الناس ومستوياتهم، ولا ينتظر أن يكون الحشد قائماً مستعداً كلّ حين للأفكار والأبحاث والانفعال بها، مع أهمّية أن يكون ذلك؛ لكن يمكن؛ بل يفترض أن يُختار الجمهور والمكان والموعد والموضوع والمتحدّثون بما يناسب، كي يكون القيام بهذا النشاط إنجازاً وحافزاً لنجاح أكبر وجدوى أوفر.
غسان كامل ونّوس