قبل أن نسدل الستارة..!
-1-
ما من أحد ينكر أنّ وجودنا يشبه بيادق الشطرنج على مساحة يتقاطع فيها سواد الانكسارات مع بياض التفاؤل.
وكثيراً ما تلعب الشخصيات البشرية أدواراً على خشبة تستوعب تفاصيل دقيقة تدور في أغلب الأحيان حول بقايا الإنسانية المتآكلة، ومشاهد الخزي والعار التي تقذف بالعالم إلى دوامة الاحتمالات في جدلية الوجود وأسئلته، والبحث عن ظواهر الواقع بأحجيته كافة خلف ستار التناقضات.
وبعد، ماذا ننتظر؟
مرة سُئل صموئيل بيكت: من هو غودو؟ فأجاب:لا أعرف عن هذه المسرحية أكثر مما يعرف هذا أو ذاك من الذين يقرؤون المسرحية بيقظة وانتباه، لا أعرف عن الشخصيات أكثر مما تقوله هي، أكثر مما تفعله وماذا حدث لها ومعها، لا أعرف من هو غودو ومن يكون، لا أعرف حتى إذا كان موجوداً أم غير موجود!
طبعاً ما نزال في انتظار أن تتغير النظرة النّمطية لصور الواقع الرمزية، وما نزال نبحث عن ضوء يعيد ألق المفاهيم وتجددها إلى ساحة الاشتغال الفكري الموسوم بطلاوة الابتكار وأصالة الرؤية وعمقها.
نعم، كثيرة هي المشاهد، وكثيرون هم المتسابقون للفوز بسرقة ضوء ما من على خشبة العمل المهني في سلوكيات مكشوفة لا تمنح أجسادهم المتآكلة أساساً أية نقطة ترميمية.
ففي ثمانينيات القرن الماضي، كتبت مجلة (المختار) اللندنية رسالة شكر من ناقد فني واعد في الصف الثالث الابتدائي، كان قد أرسلها إلى مُخرِجٍ من المسرح الجامعي قدّم عمله للأطفال،جاء فيها:” لقد أحببت المسرحية. كانت أفضل مسرحية شاهدتها على الإطلاق. إنها المرة الأولى التي أحضر فيها مسرحية”.
وما بين المشاهدة والإعجاب ثمة أسئلة ملونة تندرج في إطار انطباعي ذاتي يقف على حافة العمل و تضاريسه في لحظة تأمل محمولة بمقامات اكتشافية من أوسع أبوابها.
إذن، ما بين عنصر الإدهاش والجنوح اللفظي للمتفردين في خدش حس المتلقي، بوح مارق لا أكثر.
نعم، مخطئ من يعتقد أنّ العزف التضليلي على أوتار إدهاشه هو حالة سرمدية.
وكما قلنا إنها سرقة ضوء واستحواذ تصفيق لا أكثر من على الخشبة.
فقد سأل أحد الفلاسفة إمبراطوراً كاريكاتورياً: بماذا يحلم سيدي؟ فرد الإمبراطور: أحلم أن احتل كل اليابسة وأخضعها لسلطاني. فسُئِل من جديد: ثم ماذا يا سيدي؟ فأجاب الإمبراطور: ثم أحتل البحار المسموعة والمقروءة. فقيل له ثم ماذا؟ قال الإمبراطور الغارق في الأوهام: بعد ذلك “سأستريح”، فقال الفيلسوف “ما دامت هذه هي نهاية المطاف، فليخلد الإمبراطور منذ الآن إلى الراحة “.
-2-
قبل المصافحة وبعدها، ثمّة حالة من الاندماج تندرج في سياق الهيام واللهفة. قُبلٌ، وما أدراكم ما القُبلُ؟.
السيدة (أم ريكا) وتقبيل الآخرين، حكايات تطبيع ممزوجة بأحمر شفاه يرسم لطخات عارٍ على وجوه مندهشة فاقدة بريق النقاء.
أنا لم أرَ أماً قبيحة، والحديث عن الأمومة أنغام وتراتيل وارتقاء واندماج في ألوان قوس قزح، بعد خير وفير من مزن القداسة والرحمة.
أنا لم أرَ أماً قبيحة, ولكن ( أم ريكا)، جعلت للأنوثة معنى آخر واستثناء، والمسألة نسبية وحالة خاصة جداً. تلوح لكم ابتساماتها المتلونة في تكوين ينطق القبح دون تفاسير. فماذا تريد (الست) مالكة البيت الأسود وثلاثة أرباع العالم..؟
لا بدَّ أن تكونوا حذرين في الحديث عن المرأة بكل أبعادها وتفاصيلها، وقد تختلف الرؤية والرؤى حول أكثر المواضيع تعقيداً منذ بداية الخلق وتورّط سيدنا آدم بتفاحة الطرد.
نعم لا بدّ أن تكونوا حذرين في الحديث عن المرأة. وهذا يقودنا إلى سرد قصة امرأة نسيت مشترياتها في أحد المتاجر، وعندما عادت في اليوم التالي أطلَّ عليها موظف المتجر قائلاً: (مشترياتك محفوظة). ولكن فرح المرأة تحوّل إلى كآبة لا توصف عندما قرأت ما لم يكن بالحسبان: (هذه السلع تخصّ المرأة القصيرة البدينة صاحبة الشعر الأجعد). طبعاً ليس المهم ما شعرت به المرأة، ولكن ردّة فعلها بحجم كآبتها بعد حالة توصيف للوتر الحساس في شخصيتها.
كونوا حذرين من السيدة (أم ريكا)، حتى تعود مناظر الجمال وشروق الشمس وغروبها والأشجار والطيور إلى ذاكرة من عزلوا أنفسهم.
كم نتمنى أن يعطى كل شخص نعمة العمى والصمم أياماً قليلة في مطلع شبابه، فالظلمة تعينه على تقدير النور، والصمت على التمتع بالأصوات، على حد تعبير كاتبة أمريكية.
إذاً كونوا حذرين في التعامل مع النساء، فكم أسقطن رؤساء دول كبرى؟ وكم وكم…
كونوا حذرين.. فما زال تحت حذائها متَّسع للخانعين.
كونوا حذرين من السيدة (أم ريكا) التي لم تذق طعم الأمومة، ولم ترتو غريزتها من دم الأطفال.
رائد خليل