ثقافة

السفر عبْر الزمن

تردد مصطلح “السفر عبْر الزمن” في الأفلام الحديثة جداً التي عرضتها مؤسسة السينما في دار الأوبرا، والذي يبنى على بيئة افتراضية للزمان والمكان تطال المحيط ومصائر الشخوص، وبدا المصطلح واضحاً في البداية في أفلام الخيال العلمي التي تظهر التغييرات التي تحدث في العالم كما يتوقعها كتّاب السيناريو على سبيل المثال ما سيحدث في عام 2050، لينسحب استخدامه في أفلام الرعب والجريمة حينما يسافر المحقق عبْر الزمن ويتخيّل وقوع أحداث تشدّه إلى كشف خطوط الجريمة ليفاجئ المتهم المشتبه به ويتابع انفعالاته، لكن اقترب مفهومه أكثر حينما تردد في الأفلام الاجتماعية لينطلق من فكرة التخيّل لتوقعات يحلم الإنسان بتحقيقها، ليأخذ شكل حلم اليقظة، فتبقى الشخصية لحظات أسيرة تلك التغييرات التي تراءت لها من سفرها الزمني، أو تعود إلى الوراء لتستحضر أحداثاً تركت أثراً في واقعها الحياتي فتجد فرصة ثانية لإعادة قراءة الأحداث وخلفياتها، وفهم أمور كانت غائمة أو غامضة آنذاك، فتثير تلك اللحظات توقعات لأحداث لو وقعت فعلاً كانت غيّرت مصيرها، فيأخذ شكل الفلاش باك والمضي إلى المستقبل في آن واحد. كما ارتبط هذا المصطلح في بعض الأفلام التوثيقية في تحليل الأحداث الحقيقية والتوقف بدقة عند أبعادها في حال سافر الموثق والمحلل زمنياً ليقرأ تغيرات الأحداث وكيفية قراءتها لو حدثت، فيقترن هذا المصطلح بفلسفة الحياة والوجود والأمل من أجل البقاء، ويكون أقرب إلى أحد أشكال الدفاع عن الذات في المواجهات القدرية المؤلمة، إلا أنه لامس في بعض الأحيان حالات إنسانية تسعد أشخاصاً لم تعد لديهم فرصة بالحياة مثل بعض الأفلام التي جسدت حكاية مرضى السرطان الذين خضعوا إلى المراحل الأخيرة من العلاج، وانهارت حالتهم النفسية والصحية واقتربوا من حافة الموت، وفي منحى آخر تردد ذكره في الأفلام الكوميدية بمواقف مضحكة تتعلق بركن سري في المنزل يسافر البطل من خلال الزمن ويعيش مع الأحداث الجديدة بخياله ثم يهبط إلى أرض الواقع.

مصطلح السفر عبْر الزمن الذي أخذ مساراً في الأفلام السينمائية استُخدم في السياق الروائي الزمني للروايات من خلال المتتاليات الزمنية وتقنية الكتابة لعنصري الاستباق والاسترجاع، وفي القفلة المدهشة للقصة القصيرة التي يطلق عليها القفلة الخاطفة.

في الفنّ التشكيلي كثيراً ما جسده الفنانون في لوحاتهم برسم خطوط تغييرات الزمن على الأمكنة والأزمنة والأشخاص واللون والحركة، وفي سلوكياتنا اليومية يتيح لنا السفر عبْر الزمن شيئاً من فضاءات السعادة لكن في أغلب الأحيان يجعلنا عاجزين إزاء عتمة الحزن والصمت الصارخ الذي يعلو صوته في أعماقنا.

ملده شويكاني