شغف
جمان بركات
ظهرت فكرة المشروع منذ عام 2008 عندما كان شابان في ليالي الشتاء القاسية يمشيان تحت المطر يخططان لإقامة ليلة للشعر والموسيقى وتقديم أفلام سورية وفنون مختلفة، وفي نهاية تلك الليلة سألت فتاة كانت تحضر إحدى الليالي “متى الليلة القادمة؟” وهكذا استمرت الفكرة وأصبحت مشروعاً هدفه التوجه إلى الجمهور في كل مكان، لتقديم كل الأنواع الثقافية من قبل الأشخاص الموهوبين والمثقفين سواء كانوا مشهورين أو غير ذلك، تكلل المشروع بالنجاح وأُطلق عليه مشروع “شغف أدب وفن” حيث شهدت العاصمة دمشق حينذاك حراكاً ثقافياً في المقاهي والمطاعم التي استضافت هذا المشروع الملفت باهتمام شديد.
لم يعتمد المشروع على دور مخصصة للسينما أو المسرح أو الصالات والمراكز الثقافية، إنما تجول بين الناس متنقلاً بين مكان وآخر ليكون قريباً منهم من أجل زيادة الارتباط بين الجمهور والفن، من خلال طرح أفكار حيوية وعصرية بعيدة عن النمطية والكلاسيكية والمعتاد دون الارتباط بأي مؤسسة، ليبقى مشروع “شغف” وحيداً.
ولم يتوان باسل طه مؤسس المشروع في أي لحظة عن تقديم كل ما يمكن ليستمر “شغف” لكل من لديه الشغف، ومازالت خطة المشروع المعتمدة على كسر النمطية والتقليدية والابتعاد عن حصر الثقافة والفن بأماكن مخصصة لعرض حالة الإبداع مستمرة رغم حالة الحرب التي نعيشها، معتمدين على المتعة والألفة والعفوية في تواجد هذه الظاهرة في مقاهي ومطاعم دمشق القديمة، فحاراتها قادرة على إعطاء جمالية وفرح لأي ظاهرة سواء كانت ثقافية أو غيرها، في ذلك اليوم كان الحضور في هذا المكان الرائع كبيراً، كثيرون أتوا لحضور فعالية “شغف” التي تضمنت عرض الفيلمين القصيرين “المخاض، وثامن أيام الأسبوع” جاؤوا وهم مدركون أنهم في المكان الصحيح، وكيف لا؟ فهم يستطيعون احتساء مشروبهم المفضل أثناء العرض وسماع آراء ونقاشات هم بحاجة لها من قبل صناع الأفلام عبر حوارهم، تركت هذه الأمسية بصمة رائعة عند الحاضرين الذين توافدوا بأعداد كبيرة ليحضروا الفعالية إلى أن امتلأ كل المطعم، وكانت جميع الآراء “سنتابع فعاليات “شغف” دائماً فالمكان والأجواء رائعة”. في الحقيقة، لم يتسن للكثيرين الدخول، وكانت تعابير الغضب على وجوههم تطالب المسؤولين باختيار مكان أكبر مساحة، وهنا يتبادر إلى الأذهان أن هناك أماكن ومراكز ثقافية قادرة على استيعاب أعداد كبيرة لماذا لا تستضيف مثل هذه الظاهرة المرغوبة؟ في الوقت الذي تعلن فيه المراكز نفسها عن ندوة ثقافية ويكون عدد حضورها لا يتجاوز عشرة أشخاص فقط إن لم يكن أقل؟.
في الواقع، “شغف” رغم الأزمة مازال يستقطب عدداً مهماً من الناس، ويلقى تفاعلاً كبيراً ومميزاً خاصة وأن عروضه مجانية للأشخاص الذين يسعون إلى الاندماج مع الفنون، فهل المكان هو السبب في الاستقطاب أم أن فكرة مشروع “شغف” قادرة على جذب عقول الشباب أكثر عبر ما يقدم فيه؟ أم أن ريادة المراكز الثقافية ليست ضمن أجندة الشباب إطلاقاً؟.