حكاية المنهج في النقد والثقافة
ترى هل يمكن الحديث عن تجليات المنهج بوصفه، أكثر من خطاب في الطريقة لعل هذا السؤال وغيره ما شغل الأستاذ الجامعي (برونو كليمون)، لينجز كتابه (حكاية المنهج)، مصدراً إياه بإهداء شفيف لـ جاك دريدا وبول ريكور بقوله: المنهج ما هو سوى منهج، الكتاب ما هو سوى كتاب.
ولعلنا في بحثنا عن المنهج، نذهب إلى أن التنوع الذي يحكم الأجناس الإبداعية لا يقوم سوى على منهج بعينه يفترضه كل شكل أدبي، فمثلاً حينما يقال أن لكل قصيدة منهج خاص فهذا يعني أنها تفترض في خطابها الشعري الطريقة التي يتلقاها القارئ، لكن المنهج بوصفه طريقة فلسفية في القول والبناء والرؤيا، سيضعنا على تخوم ما افترضه –كليمون- في خطابه المعرفي للمنهج، أي بماهيته وضروريته، فماذا بشأن حكايته حينما يكون طريقاً لابد من اجتيازه، ووضعه في سياق التأمل الذاتي والذي يعود على المبدع الذي يجترح الأشكال الأدبية، أن يعي في مرحلة ما بعد الكتابة وليس ما قبلها، أن ثمة شرطاً فلسفياً يكتنف كل كتابة بمعنى ما، نستعيد من خلالها طبيعة النصوص ومقاربتها للزمن والخيال و(الجهد المبذول لإيهامنا بحقيقة تقف وراء الكتابة)، وإذا كان لـ كليمون الكاتب والأستاذ الجامعي أن ينجز مقولته في حكاية المنهج، متكئاً على المنجزات الإبداعية ومسائلاً إياها، تساؤل يعيد لفكر النقد بعض رهاناته، ليقول مثلاً: (الأدب والفلسفة في اختلاط ما بينهما)، مستعيداً قولة فيكتور هوغو، ومحاججاً غيره من أدباء ومبدعين وفلاسفة، دون أن ينسى وعورة أطروحته، لكنه ينطلق من القراءة للغزارة والتنوع في المناهج، وهذا ما يشي لقارئه على الأقل جملة من آليات الفحص والتأويل للمنجز الإبداعي بمستواه المعرفي، ولعل الأمر هنا سوف يتعدى إلى مساءلة المنهج من الإبداع إلى النقد، كما يذهب د. فيصل دراج إلى ذلك مصدراً الكتاب بالقول: (هل يوجد المنهج في النقد الأدبي في صيغة المفرد أم في صيغة الجمع، وما آية ذلك والبرهان عليه، وهل هناك وجود لناقد يمثل وحيداً المنهج الذي ينتمي إليه ويعتبر ذاته، أو يعتبره الآخرون الممثل الأكثر إبداعاً للفلسفة النقدية التي يأخذ بها…)؟.
وهذا التساؤل الكبير الذي يحايث كتاب -كليمان- سيفيض على وجوه الكتاب في استعادة أثيرة لقواعد المنهج التي وضعها رينيه ديكارت في كتابه الشهير (قواعد الطريقة أو البحث عن الحقيقة في العلوم الاجتماعية). إذ أن المعرفة الأدبية التي سوف يجد القارئ تأصيلاً لها في حكاية المنهج، لن تكتفي في رحلة البحث عن المنهج كحكاية بامتياز، أو في مقاربة الزمن والقصة، أو الشعر، بعتبة إضافية لـ بول ريكور، يختارها الكاتب حينما يقول: لقد أكدت على أن الشعر من جهة أسطورته يعيد وصف العالم، وبالطريقة نفسها سوف أقول بأن الفعل يعيد تسمية العالم في بعده الزمني، بمقدار ما يكون القص والسرد الروائي إعادة صياغة للفعل وفق ما تدعو إليه القصيدة. فإذا كان الرهان اليوم على التخييل بوصفه فعالية أو كفاءة، فإننا سنجد بحكاية المنهج ما يعاضد ذلك في التخييل الممكن، الذي نقارب به الشعر والإبداع عموماً. بمعنى المنهج في نمائه هو ما يعثر على الجديد دائماً حلم أو ثلاثة أحلام، الزمن الذي كنا نظنه ضائعاً من جهة غير معروفة تحديداً.
فالوقوف على مقاربات المنهج وتجلياته، هو ضفة معرفية لعلها اليوم أكثر خصوصية من حيث استيعابها لمبدع النص، ليدرك ماهية الجديد في الكتابة، لطالما قيل (لا جديد تحت الشمس) تندراً، أما حكاية المنهج فهي تتبع لكل سيروراته الممكنة في حقل الثقافة والوعي الجديران بأن يؤسسا لدى المبدع، أيما مبدع، معنى التنوع ومعنى الثراء، الذي يمليه عليه أكثر من شرط فلسفي ومعرفي وتاريخي وجمالي.
حكاية المنهج لـ برونو كليمون: ترجمه عن الفرنسية سلمان حرفوش
صدر عن دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية.
أحمد علي هلال