جدل مُكرّر

بشرى الحكيم

ردة فعله كانت جديرةً بالتصفيق بعد أن أخبرته المذيعة أنه يتحدث حالياً على قناة إسرائيلية، وحتى بعد أن اكتشف أنها مجرد خدعة كاميرا خفية حيث لم يتوان عن الهجوم على فريق العمل.
قبل فترة وجيزة وبالتحديد في مهرجان قرطاج الدولي 2017، أثارت مشاركة كوميدي فرنسي تونسي ردود أفعال متباينة وأعادت الجدل المستمر إلى الواجهة، إذ تتالت المطالبات بإلغاء العرض المقرر في المهرجان، بينما كان الإلغاء ورفض مشاركة بوجناح وهو اسم الفنان، من وجهة نظر البعض يأخذ الأمر باتجاه “منحى سياسي” بعيداً عن “الثقافة والفن”!.
إذاً هو الجدل المستمر ذاته والذي لن يصل إلى نهاية، بل إن مدير المهرجان بقي على إصراره والذي برره بأن الكوميديان المذكور ليس “بصهيوني كبير” أو من القادة الصهاينة الكبار وكأنما الأمر يتعلق بالكبر والصغر! بينما لا يبذل الفنان المذكور أدنى جهد لإخفاء مناصرته للكيان الصهيوني، بل إنه يتباهى بوقوفه الدائم إلى جانب شارون الذي لا يذكر اسمه إلا مرفقاً بعبارة السفاح ومجرم الحرب! هذا بغض النظر عن قيمة وسوية الفن الذي يقدمه والخواء الذي يملأ عروضه والأنكى؛ تلك المطالبات الشديدة اللهجة بالتزام الاتحادات والجمعيات المناصرة للقضية الفلسطينية “الحياد تجاه الأمر”!.
الحدث تزامن صدفة أو من دونها مع ذكرى اغتيال صاحب البرتقالات التي قتلها الحزن وما زال يفعل؛ عندما توجه إليه محدثه في لقاء تلفزيوني نادر؛ بالسؤال مستنكراً “لم لا تتحدثون إلى القادة الإسرائيليين؟ ليجيبه: “هل تقصد نوعاً من المحادثة بين السيف والرقبة؟ نحن نقاتل للحصول على الكرامة والاحترام والحقوق الإنسانية التي تتشدقون بها؛ وتلك أشياء أساسية كما الحياة ذاتها.
وبرغم اغتياله بقي حياً في قلوب وفكر الكثيرين حتى اليوم، إذ هكذا يفكر ويفعل مثقف وأديب من أبناء الحياة، على النقيض تماماً من أبناء العدم الذين يدبون على هذه الأرض.
وهو السؤال والجدل الذي لا بد أن يشغل العقل إذ كيف يمكن للفنان والمثقف أن يقبل بالوقوف على ضفة الحياد حيال واحدة من أهم القضايا الجاثمة على صدر البلاد؟! وهو الغباء الذي يتجمل بالشعارات الإنسانية أن “دعوا الفن بعيداً عن السياسة” بينما يمكن للفنان أن يكون محركاً للرأي العام الذي بات كما القطيع يثير جنونه أي موقف أو حركة أو موقف ملتبس!.
عندما نتحسس كأفراد قبل المؤسسات ذلك الخطر وقد بات عفناً ينمو وينشر سمومه في الأنحاء، لا بد من التوقف للبحث عن حل قبل أن يبدأ بنهش الأرواح، إذ عدوك ليس بحامل السلاح فقط، فبعض صهاينة الداخل أشد ضراوة، هل سمعت ما قاله منير الريس يوماً:
واعلَم يا وَلَدي أن عَدوُك مَلاَ البَرَّ وملأ البَحْرْ
فاحذَر أن يَملأ نفسَكَ أنت
انتَهَت الحَربُ إذا احتَلَّ عَدُوكَ رُوحَك
أو أرسَلَ أهوَاءَكَ تَسْعى حَولَكَ
حتَّى دَخَلَتكَ فَهُنتْ
إذْ عُرِفَ المَدخَلُ وَتَهَاوَى المَدخُولْ
فاحذر.