ثقافة

بطريركية إنطاكية للسريان الأرثوذكس تطلق مشروعها السرياني الدرامي

“ستبقى سورية مركز العالم” هذه المفردات أدرجت في كلمة المطران متى الخوري في الفعالية التي أقامتها بطريركية إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس بالتعاون مع دار الأوبرا، وبحضور رجال الدين والفنان دريد لحام لإطلاق أول فيلم درامي قصير مدبلج إلى السريانية المحكية “رحيل” سيناريو وإخراج حنان سارة، وقد قدمته سابقاً باللهجة العربية المحكية ضمن مهرجان مشروع منح الشباب.

يعد إطلاق الفيلم بالسريانية بداية لسلسلة أفلام مستمدة من الحياة المسيحية وناطقة باللغة السريانية المحكية، لنشرها والحفاظ عليها كونها لغة السيد المسيح من خلال أعمال سينمائية درامية برعاية وتشجيع من البطريركية، وفي الوقت ذاته كانت مناسبة لتقديم المخرجة حنان سارة سيناريو فيلم وطني بعنوان “الكرمة” قال عنه الأب زحلاوي بأنه سيؤثر بالعالم. شدّ الفيلم الحاضرين وأصغى بعضهم الذين لايعرفون اللغة السريانية بشغف إلى وقع مفرداتها المتسمة بجرس موسيقي.
يحدد الفيلم الخط الفاصل بين الحبّ والمحبة من خلال قصة بسيطة تجمع بين الأب الأرمل ليمور–رامز الأسود والابن رام -ريمي سرميني- والمربية ريم-رنا كرم-، يقع بحبها كل من الأب والابن فتقرر الرحيل، وتبدو جمالية الفيلم في مساره بزمنين في آن واحد والتنقل بينهما من خلال الصورة واستحضار الشخوص والعودة إلى الوراء من خلال الفلاش باك، وقد تميّز الفيلم بالرموز والدلالات الموحية للألوان والأشكال والموسيقا ذات الأبعاد العميقة، وشغل الموسيقيون العازفون مساحة من الفيلم بظهورهم بين المشاهد وبالربط برمزية بين نغمات الآلة والشخوص.

غنى بالألفاظ والتعابير
وتحدث المطران متى الخوري عن اللغة السريانية المحكية المستخدمة في هذا الفيلم فقال: حينما نتحدث عن اللغات القديمة يعظم افتخارنا بأن نكون أبناء أرض أهلها أول من اخترع الكتابة، فاللغة السريانية هي لغة قوم عاشوا في بلاد مابين النهرين وسورية الطبيعية وارتبطوا بالحضارة الموغلة بالقدم، فنمت لغتهم وازدهرت وصارت لغة سلسة غنية بالألفاظ والتعابير وبقيت أجيالاً عديدة هي اللغة الرسمية للدولة التي حكمت الشرق الأدنى، وامتد سلطان هذه اللغة إلى مصر وآسيا الصغرى وشمال بلاد العرب والهند وحتى الصين، وقد زالت تلك الدول لكن اللغة السريانية بقيت خالدة بتراثها الأدبي الثمين رغم الصعوبات التي صادفتها مع تقلبات العصور، ومن المثبت أن السيد المسيح نفسه قد تكلم السريانية وهذا يجعلها لغة مقدسة وخالدة، وتابع بأن مسؤوليتنا جميعاً بأن نعمل على الحفاظ عليها، وليست فقط مسؤولية الكنيسة التي كانت وما زالت أحد أهم المراكز التي حفظت هذه اللغة من خلال استخدامها كتابةً وحديثاً، وما وصلت إليه سورية من حضارة بفضل الأقوام التي عاشت عليها وزادتها جمالاً وتألقاً ثقافات القوميات التي احتضنتها سورية في تاريخها الحديث.
كما تميزت الفعالية بعرض رسالة مصوّرة للأب إلياس زحلاوي حيث لم يستطع الحضور  وتمنى للفيلم انتشاراً واسعاً بمختلف اللغات التي ترجم إليها لاسيما أنه يترك تأثيراً قوياً في ذات المتلقي، وتحدث عن سيناريو الكرمة الذي قدمته حنان سارة له وحينما قرأه شعر بأنه يعيش لحظاته ويشعر بإحساس المرأة التي قنصت ابنتها بين يديها واستشهدت في حضنها، فيقول: هذه الأم ذكرتني بنهوض إيفا الأولى شعرت أنني أمام قوة خارقة تتحدى الموت وتتجاوزه، وأنا في شوق لرؤية هذا السيناريو فيلماً يخاطب الكثيرين، وإذا عُرض في سورية وخارجها في الدول التي خططت للحرب علينا وموّلته وسلحته سيحدث تأثيراً عميقاً للكثيرين ولاسيما للنساء.
وشرحت المخرجة حنان سارة بعض الرموز والدلالات التي تميّز بها الفيلم موضحة بأن خطها المهني الذي تحلم بإنجازه يقوم على ثلاثة أناشيد متتالية مستوحاة من المعاني السامية للمسيحية من خلال ثلاثة أفلام قصيرة، تلتقي لتشكل فيلماً روائياً طويلاً، بدأتها بفيلم رحيل القائم على أنشودة سريانية ترنم للمحبة “فتحليمور”، وتليها أنشودة آرامية هي الروح ترنم للإيمان، والأنشودة الثالثة هي رحيم أنشودة آشورية ترنم للرجاء، وقد تمكنت مع الموسيقي سمير كويفاتي من جمع عدة ترانيم وتوزيعها موسيقياً من جديد، وتابعت بأن الفيلم له بعد مستمد من الحياة المسيحية من خلال شخوص الفيلم ورحيل ريم بفعل المحبة لتجمع بينهم، وحاولتُ أن يكون الإخراج بسيطاً لأن الأيقونة السريانية تعتمد على البساطة عكس الأيقونة البيزنطية التي تعتمد على الترف.
اشتغلت على الموسيقا السريانية مع ترانيمها، وعلى رمزية الآلات الموسيقية للتخت الشرقي العود الذي يرمز إلى الأب-العازف ميلاد باهي، والناي الذي يرمز إلى الابن-العازف ربيع عزام- والقانون الذي يرمز إلى شخصية ريم- العازفة ديمة موازيني، وآهات السولو-دارين بركل-، إضافة إلى الرق الذي كان دلالة على الصراع وكنّا نسمعه لكننا لانراه ظاهراً ضمن مشاهد الفيلم، وأشارت إلى أن الأصوات التي دبلجت إلى السريانية هي أصوات أشخاص يتكلمون السريانية وليسوا ممثلين.

نشر السريانية درامياً
وسألتُ المطران متى الخوري عن خطة البطريركية لتنشيط وتفعيل اللغة السريانية المحكية في بعض المناطق، فأجاب بأن الكنيسة عبْر سنوات عملت على نشر اللغة السريانية وتعمل على تعليمها لاسيما أنها من اللغات التي تُدرس في بعض الجامعات كونها من اللغات القديمة، وحالياً معهد اللغات يعمل على توثيق وتدريس اللغة السريانية، ولغتنا التي كانت حاضرة بالفيلم هي موجودة ومحكية في منطقة الجزيرة السورية والقامشلي والحسكة وبعض المناطق في حلب، ويوجد في الكنائس والأديرة الكثير من الكتب والمخطوطات باللغة المتخصصة بالسريانية،وإطلاق الفيلم اليوم شجعنا على نشر السريانية درامياً وهذا فخر لنا ولسورية التي هي حاضنة السريان.
ويرى الأب جاك يعقوب أن فيلم الرحيل يعد أول فيلم درامي مدبلج وقد سبقه فيلم توثيقي عن مذابح سيفو عُرض عام 2015دبلج إلى السريانية، وبهذه الخطوة نحن نشجع على إحياء السريانية التي مازالت محكية في بعض المناطق ونشجع من يتكلم بها الشباب والكبار على أنها لغة حيّة.
وبرأي الفنان إسكندر عزيز أن المخرجة استطاعت الاستئثار بقطعاتها السينمائية بحسّ شاعري وبخبرة درامية مما جعلها تقف عند المنعطفات الحساسة، وأوصلت مضمون الحكاية من خلال توصيف الصورة.
ملده شويكاني