ثقافة

نور نصرة: الشعر حبّة “سيتامول” في حالات ألم الرأس الشديد

بداية لم تكن نور طلال نصرة خريجة كلية الآداب قسم الترجمة /إنكليزي، تتوقع أن يكون الخبر الذي قرأته في أحد المواقع الإلكترونية عن مسابقة شعرية للشباب، تطلقها دار شعر خاصة، وتعد فيها بأن تكون مسابقة نزيهة، أن يكون خبرا صحيحا وسط زحمة تلك العروض التي تقدمها العديد من الصفحات والمجلات الوهمية التي تعلن من لا يعرف الشعر من القرنبيط أنه شاعر!، لكنها قررت أن تخوض التجربة.
قدمت “نور” مجموعتها الشعرية إلى المسابقة التي تطلبت العديد من الشروط المعتدلة نوعا ما، باعتبار الفوز سيكون طباعة ديوان شعري، ومن المعروف كم هي مهمة بالنسبة للشاعر، مجموعته الشعرية الأولى، ولأنها كانت الأفضل حسب لجنة الحكم التي لم يعلن عنها، فقد فازت. وللوقوف على هذه التجربة كان لـ”البعث” هذا الحوار مع الشاعرة نور نصرة التي تقول:
بداية لم يكن يعنيني الشعر كنوع أدبي قد أكتبه في يوم من الأيام، ولم أتطرق له بشكل صريح ومعلن، كانت نصوصي عبارة عن أحاسيس أدونها على الورق والسبب أن الشعر موجود وحاضر في جو العائلة، لذلك لم أر الأمر تميزاً وتفرداً. لكن مع بداية الحرب على سورية والحصار النفسي والاجتماعي الذي طالنا، كان الفيسبوك ملجأ مسلياً ووسيلة مفتوحة أمامي لأكون على مقربة من الوسط الأدبي ومن الأقلام الشعرية، ووجدت نصوصي تتصدر الصفحات الشعرية، وشعرت بالخوف، فثمة شيء تغير، عندما طلب مني أحد الأصدقاء نصاً لي لينشره في صحيفة عربية، وتلك كانت البداية.
< بداية دعينا نعرف كيف علمت بالمسابقة، وهل كنت تؤمنين فعلاً أن ثمة مسابقة شعرية قائمة على أساس تنافسي دون أي انحياز أو واسطة أو غيرها من الأمراض التي أصابت الوسط الثقافي؟.
<< شاهدت إعلان المسابقة في الفيسبوك والتلفاز بعد المؤتمر الصحفي الذي أطلقته دار دلمون الجديدة في مكتبة الأسد الوطنية. ثم بحثت عن كيفية إرسال مجموعتي وأرسلتها عبر الموقع.
وتضيف: نعم، ثمة تنافس هنا، فأنا تقدمت للمسابقة دون أن يكون لي أي علم مسبق بأعضاء اللجنة أو ما هي آلية تقييم الأعمال المشاركة في المسابقة أو أية تفاصيل أخرى.
< ولماذا الشعر دون غيره من الأجناس؟
<< إن كنت تقصد بسؤالك لماذا لم أكتب أجناساً أخرى، فجوابي أني كتبت وأكتب لكنني أتريث في أمر النشر، المسألة أن كتابة القصة والرواية تحتاجان لكثير من الوقت والتروي والهدوء وهو ما لا أملكه الآن، بيد أن الشعر يندفع بسرعة، وهو من طرق بابي أولاً على الرغم من ابتعادي عنه لسنوات طويلة، واختلاق قطيعة معه كي أهرب من مواجهته لكني في نهاية المطاف استسلمت لجبروته.
< وما هي رؤيتك للشعر؟
<< الشعر هو التشظي حتى التماسك، هو الغرق حتى النجاة، هو الضحك حتى البكاء، هو حبّة “سيتامول” في حالات ألم الرأس الشديد.
< “جدران عازلة للصوت” عنوان مجموعتك الشعرية الأولى والفائزة في أول مسابقة تقيمها دار شعر -وهي خطوة جريئة فعلا في هذا الوقت-، هل هذه هي بداية طريق أخرى، أم أنها استمرار لحالة تعيشينها في تفاصيلك اليومية، بحيث يكون الشعر بعض من مفرداتها؟
<< نعم، إنها بداية طريق جديدة، فلا شك أن مرحلة ما قبل طباعة الكتاب الأول تختلف عن مرحلة ما بعد طباعته، ومن جهة أخرى هي استمرار لما أعيشه كل يوم، فأنا لا أنكر أن طيف الشعر الجميل يدغدغ روحي كلما تألمتْ، ويحرك مسار مياهي كلما ركدتْ. إنه مسار متجدد لتفاصيل حياتية بسيطة. أتجدد معها ولا تبخل عليّ بأدنى مشاعر الرهافة والشغف.
< هل لا زال لدى الشعر ما يقوله؟ وأي خصوصية له بعد أن أصبح الشعراء في كل مكان حسب صفحات التواصل الاجتماعي، كيف خدمك أيضاً هذا الموضوع؟
<< أسأل نفسي مع الانتهاء من كل قصيدة، هل سأكتب قصيدة أخرى؟ هل ما يزال الشعر قادرا على التجدد والإبداع؟ فيأتي الجواب بنعم، الإبداع لا ينضب ولا يتوقف. فخصوصية الشعر تكمن في توظيفه لخدمة جميع القضايا العاطفية والاجتماعية والإنسانية والسياسية.
لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للكثيرين التواجد والكتابة لكنها لم ولن تتيح لهم الاستمرار، فهي وسائل مؤقتة، تنحصر وظيفتها في إيصال النص أو القصيدة للقارئ، وليس في التأثير عليه أو جعله يكمل النص إلى آخره. كما إن نتائجها سريعة في النجاح والفشل على حد سواء. وبالنسبة لي، أتاح لي الفيسبوك العودة إلى أجواء الشعر التي كنت قد هجرتها لفترة طويلة قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ومن ثم أصبح منبراً مهماً بالنسبة لي كما بالنسبة لغيري.
< “هكذا هو الحب، تكثر ولائمه عند الوداع” هذا الحس التراجيدي وحتى عنوان المجموعة يشيان بانحياز للوحدة والعزلة، هل هذا نوع من تطهير الذات في الكتابة؟ أم أن مواضيع أو ثيم هذه الحالات الحسية التراجيدية هي من تجذبك؟
<< برأيي إنها انعكاس طبيعي لحالة الكتابة، ناهيك عن الوضع الاجتماعي الذي يجعل أغلبنا يعيش في عزلة، على الرغم من أنني محاطة بالأصدقاء وأقضي يومي في سباق مع الوقت لأنهي ما عليّ من أعمال، فأنا لا أشعر بالملل أبداً، ومع ذلك أعتبر العزلة حالة طبيعية أعيشها منذ طفولتي، فلطالما كنت طفلة هادئة، صامتة، بعيدة عن أجواء الأطفال من لعب وحماقات. ولهذا أصبح الأمر اعتيادياً وأصبحت أتعامل معه كنمط حياة.
< تحضر عوالم المرأة في قصائدك في العديد من حالاتها، وغالباً هي امرأة خاسرة أو ذات رغبة مضطربة؟ هل ترين حال المرأة كما تصفين، أم أنك تذهبين أكثر إلى دواخلك؟
<< مجمل قصائدي عن عوالم المرأة في مختلف حالاتها، القلق، التشظي، الانتظار، الحب والتجدد، تعيش المرأة الخسارة باعتبارها طرفاً في العلاقة وليس باعتبارها أنثى، الأنثى لا تخسر أبداً، بل تحيا وتتجدد دوماً وتنتعش بذاتها، تملك الأنثى من أسباب الحياة ما يجعلها قادرة دوماً على العطاء والولوج إلى عوالم الرجل المحدودة، يمكنها أن تكون شعاعاً يمضي إلى آخر النفق مهما كان الظلام دامساً.
< ليس السؤال هنا عن الطقوس التي يحياها الشاعر، كونه صار سؤالاً خشبياً، لكني أريد أن أتحدث عن تلك اللحظة الفارقة أو تلك الإشراقة التي تسبق سيلان الصور والصياغات الشعرية عندك؟
<< وصفك دقيق، فعلاً هي لحظة فارقة، أستجمع فيها قواي، أغيب عن الوعي للحظات، أرسم لوحة شعرية، أتشاجر معها أحياناً، أتشربها فيكون الألم مضاعفاً، تتفتّح عندي مسام جديدة، أتنفس بعمق، أبتسم لها قبل أن أتنكر لها وكأنها ما خرجت مني وكأن مخاضي كان سراباً، كنت سأصدق أنه سراب لولا أن يدي خطّت قصيدة جديدة.
< لماذا قصيدة النثر وهل خضت في القصيدة العمودية؟
<< أذكر أنني كتبت القصيدة العمودية في المرحلة الإعدادية، لكن لم يكن شعراً حقيقيا، ولم تكن رغبتي حقيقية آنذاك، ولم آخذ الشعر على محمل الجد، أخبرتك مسبقاً كان ثمة قطيعة بيني وبين الشعر ولم أكن أعتبره امتيازاً، لأنه موجود في جو العائلة مسبقاً، لكن مع أول مواجهة حقيقية مع الشعر كتبت قصيدة النثر، خرجت مني دفعة واحدة دون أن تترك لي خياراً آخر، لاءمت فوضويتي ولامبالاتي وعقدت صلحاً مع مزاجي المضطرب. هي قصيدة مرنة وتواكب مفردات العصر الحديثة، لهذا تضامنت معها دون أن أنفي أهمية وحضور الأنواع الأخرى.
< هل كنت تتوقعين أنك ستفوزين؟
<< “كان عندي أمل” وكنت متفائلة، لكن لم أتوقع أن أحصل على المرتبة الأولى.
< كيف ترين المشهد الشعري السوري خصوصاً في زمن الحرب؟
<< نشاط ملحوظ في مرحلة الحرب وبشكل ملفت أيضا، وفي ذلك تصدٍّ من نوع آخر لآلة الحرب البشعة، التي تهدم كل ما حولنا، لقد استوطنت مفردات الحرب في نفوسنا وأدلت بشهادات صريحة وقاسية. لكن من جهة أخرى أحاول منع هذه الحرب أن تسلبني وجودي كإنسانة وشاعرة.
< وهل تعوّض منابر التواصل الاجتماعي عن المجموعة الشعرية الورقية؟
<< طبعاً لا. لا يوجد ما يضاهي جمال ومتعة الكتاب الورقي.
< من هم الشعراء الذين تركوا بصمة في داخلك وكأنها من نوى ونار؟
<< وديع سعادة، سنية صالح، رياض الصالح حسين. سان جون بيرس.
< كيف ترين الحركة الشعرية النسائية في سورية؟
<< شهدنا في الأعوام الأخيرة حضورا كثيفا وقويا نسبياً، لدينا شاعرات جريئات ولهن حضوراً قويّاً وجميلاً.
< ما الخطوة التالية؟
<< لا أدري تحديداً، لديّ مشاريع في الترجمة وكتابات أخرى، لا أدري متى سأبدأ بها. أنتظر الآن طباعة مجموعتي الشعرية الأولى “جدران عازلة للصوت” عن دار دلمون الجديدة في دمشق. وبعدها سأتفرغ لكتاباتي الأخرى.

حوار: تمّام علي بركات