ثقافة

دعابات قطة في الأدب

قد لا تستهويك فكرة تربية حيوانات أليفة في منزلك، لكن الكثيرين يرغبون بذلك وتستهويهم وعلى الأخص القطط المنزلية، لدرجة أنها تصبح فرداً من الأسرة بشكل أو بآخر، واللافت في مجال الأدب اهتمام كبار الكتاب بموضوعات تخص القطط منها رائد القصة القصيرة “إدغار ألان بو” في حكايته المميزة “القط الأسود”، تنقلك هذه التحفة إلى عوالم النفس البشرية المظلمة، تتوغل في الغابة المخفية والمخيفة في عوالم العقل الباطني للإنسان، القصة سوداوية قاتمة لكنها حقيقة حد الواقع، يأخذك الكاتب مجبراً إلى عالمه الكئيب القاتم، تشعر بالخوف لا بالقلق وحده، هذا النوع من الرعب الناعم الهادئ الذي يتسرب إلى داخلك بسهولة ليطغى على الحالة النفسية، تتكلم الرواية عن شخص يحب اقتناء الحيوانات المنزلية، خاصة أنه ذو طبيعة حساسة ومرهفة للغاية لدرجة أنه كان مثار سخرية بين أصدقائه، وبعد عدة سنين ونتيجة إدمانه للخمر والمسكرات تبدأ طبيعة روحه بالتغير تدريجياً، فتغيب تلك الحساسية المرهفة لتحل محلها طبيعة غريبة يختلط فيها مزيج من الحقد والغضب لتظهر في النهاية النزعة الإجرامية التي أفرغها في البداية في “القط” الذي أحبه قديماً ولم يكن يفارقه، ظل يمثّل بجسده أفظع الجرائم، ثم يظهر الندم على شكل كوابيس فظيعة، لكنها لم تحد من نزعة الشر التي بدأت تتأصل فيه، وتتوالى الأحداث والمشاعر الغريبة لتنتهي به إلى قتل زوجته بالفأس، وللمفارقة عندما أراد إخفاء جريمته لم يكشفها إلا القط الذي عاد لينتقم منه على ما فعله به.
أما الكاتب الشهير آرثر ميلر فله مفهوم آخر للقطط، إذ شطح به الخيال فيما كتب وزعم أنه قد خاض هذه التجربة بنفسه وضمّن مواقف منها في مسرحيته “سيلم” وأراد من قارئه أن يصدق هذه الأسطورة التي لا تخلو جوانبها من اللامعقول فيكتب “ركبت قطاراً نحو مدينة “سبرينغفليد” وفي ذهني فندق معين ألجأ إليه طلباً للراحة وطوال الرحلة تصورت قطة صغيرة ملساء تحتك بي وأنا جالس على الكرسي فنظرت حولي لكني لم أجد أثراً لها، لكنني كنت أسمع مواء وبقيت أعاني من شدة الصوت الذي أصبح يحاصرني حتى أنني لم أعد أسمع شيئاً سواه” يصل الكاتب إلى المدينة فيراوده شعور بأنه مراقب ثم يلاحظ ظاهرة أخرى غريبة لفتت انتباهه، هي أن جميع من في القرية يسيرون برشاقة أشبه بالقطط فهم كانوا يفضلون السير في محاذاة الحائط وليس في وسط الشوارع، أما مواء القطة فبقي يسمعه حتى أثناء تواجده في المدينة وتآلف معه على الرغم من عدم ظهور أي قطة تسير في الطريق. تتوالى الأحداث الغريبة ويقع في غرام فتاة جميلة ويحاول رجل مجنون أن يحذره منها وبأنها ستقتله وعليه الخروج من هذه المدينة، لكن الكاتب لا يستمع له بل يهيم في حب تلك الفتاة ويفقد الذاكرة أين كان يعيش وماذا كان يفعل وكيف وصل به المطاف إلى تلك القرية، ثم تقترح عليه الفتاة أن ينضم إليهم في مملكتهم التي هي أميرتها، فيوافق على الانضمام إليهم، وفي تجمع عند منتصف الليل تفاجأ فيه بتحول سكان القرية إلى قطط تموء في الأرجاء وتطلب الفتاة منه أن يقفز من سفح تلة فيرفض قائلاً بأنه إن لم يمت على الأقل سوف يتكسر لكنها تصر عليه وبأنه سيهبط واقفاً على رجليه، لكنه يصر على الرفض ويهرب منها، ولم يشر آرثر ميلر في أوراقه إلى الطريقة التي استطاع بها مغادرة ذلك العالم الغريب والمجنون.
أما شاعرنا الكبير نزار قباني الشاعر الدمشقي الأصيل فلم تنس أشعاره القطة الشامية وكأنها جزء أصيل من تراثنا الشعبي:
أضناني البرد، فكومني
داخل قبضتك السحرية
لا تغضب مني .. لا تغضب
فأنا قطتك الشامية. هل أحد
يغضب من قطته الشامية؟
أتركني ألعب كالسنجاب
وفتات السكر، ألحسه
داخل قبضتك السحرية
أمنيتي تلك، وما عندي
أغلى من تلك الأمنية
لو أملك زاوية بيديك
لكنت ملكت البشرية.
علا أحمد