ثقافة

كوميديا “التوك شو”.. ملء للوقت أم متعة مشاهدة ؟!

تلهث القنوات الفضائية العالمية والعربية الخاصة على وجه التحديد، لاجتذاب أكبر عدد من المشاهدين من خلال التركيز على تقديم البرامج الحوارية أو ما يعرف بالـ”توك شو”، والتي تبثّ عادةً في ساعات الذروة من حيث نسب المشاهدة، وليس مبالغةً أن تعتبر بعض القنوات برنامجها هذا أهمّ وجبة إعلامية تقدمها لجمهورها ومتابعيها.

وبحسب التعريف المعجمي والإعلامي للـ”توك شو”، هو حوار بين مضيف وضيف أو أكثر، ويتسم بالحيادية وموضوعية الطرح. ويعدّ “التوك شو” السياسي أول أنواع البرامج الحوارية، ومع مرور الوقت والحاجة لإيجاد آليات جديدة تستقطب أعداداً جماهيرية أكثر، كان لزاماً خلق نوع جديد من هذه البرامج، اتخذ الطابع الكوميدي صفة رئيسة له. وأول ظهور لبرنامج حواري كوميدي في العالم، كان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954 وكان يقدمه آنذاك ستيف آلن ويسمى “ذا تونايت شو” على شاشة “إن بي سي”.

ويتميز أصحاب هذه البرامج بشخصية متفردة مرحة أحياناً وخلافية (مثيرة للجدل) أحياناً أخرى، وأهمّ شيء أنهم لا يُضجروننا أبداً. وأشهر مقدمي هذه البرامج على مرّ تاريخها هم، جوني كارسون وكونان أوبراين وديفيد ليترمان.

وكانت مهمة الكوميدي فيها واضحة جداً عبر إعطاء المشاهدين شيئاً للضحك حتى يتمكنوا من نسيان متاعب يوم عملهم. وغالباً ما شكل السياسيّون مادة دسمة للكوميديا في مثل هذه البرامج، إضافة لعناوين الصحف اليومية. وكان كل شيء ممتعاً ومقدماً بطريقة مدروسة لا تنحاز سياسياً لأحد.

لكن سرعان ما استُغلت هذه البرامج نظراً للشعبية التي تمتعت بها، والحديث هنا عن الولايات المتحدة الأمريكية، ليصطفّ كل برنامج مع حزب ويسخر من بقية الأحزاب. وفي هوليوود ونيويورك، ينصب اهتمام هذه العروض التلفزيونية الآن على ممانعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهكذا انتقلت كوميديا هذه البرامج من مراعاة ضرورات الشبكة الإذاعية القديمة وشعارها البقاء بمأمن وليس الهجومية، إلى البحث عن جمهور أوسع من مختلف الأطياف السياسية لإقناعهم بوجهة نظر ما. ويعتبر برنامج “ذا ليت نايت” الحواري، واحداً من أشهر البرامج الحوارية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، ويعتمد بالأساس على “المونولوغ” الساخر من الأخبار اليومية والمقابلات مع الضيوف ومقاطع الفيديو الكوميدية كل هذا ممزوجاً بجو موسيقي يتلاءم والمادة المطروحة.

ويقدّم مضيف البرنامج عرضه من خلف مكتب، بينما يجلس الضيف على أريكة. وشارك التقديم في العديد من هذه البرامج فرقة موسيقية صغيرة تدعم المضيف إضافة إلى عزفها الموسيقى في الفواصل الإعلانية وأثناء العرض. وكثيراً ما تماشت هذه البرامج مع النشرات الإخبارية وردود الفعل التي تسببها هذه الأخبار.

وبعض أهم الاختلافات بين ما يعرض في أمريكا وباقي أنحاء العالم، على الرغم من إلزام الناسخين والمستنسخين لمثل هذه البرامج بديكور معيّن نتيجة حقوق الملكية الفكرية، وتبثّ غالباً في نهايات الأسبوع على عكس الولايات المتحدة التي تبثها بشكل يومي مساءً. ويعتمد تقييم هذه البرامج على ما يسمى الريتينغ (أو التصنيف) حتى اصطلح عنواناً للحرب بين هذه البرامج بحرب الريتينغ.

ويلاحظ الاهتمام الكبير بهذه البرامج واتساع نطاقها خلال السنوات الخمس الماضية، على ضوء الاستقطاب السياسي والمجتمعي الحاد في البلدان العربية خاصةً. لكن أكثرية البرامج الحوارية لا ينطبق عليها التعريف الحرفي لهذا النوع من البرامج، حيث يحاول المضيف في برامج “التوك شو” التي تعرض على معظم الفضائيات العربية والتي يغلب عليها طابع الصوت الواحد، أن يكون مهيمناً على البرنامج والحوار مع الضيوف.

وأظهرت العديد من الدراسات الحديثة حول برامج “التوك شو” وجود مخالفات لميثاق “الشرف الإعلامي” إضافة إلى إتباع بعضهم أسلوب استفزاز الضيف. ولا يمكن لغالبية هذه البرامج -والحديث هنا عربياً- أن تساهم في بناء المجتمعات بصيغتها الحالية، ولا العمل على نشر الثقافة وتطوير وعي الناس، بل إنها تعطي مفاعيل رجعية بخلق بلبلة في أوساط الرأي العام، الأمر الذي يستدعي وقفة تقييم لمضمونها.

أما عن التجربة السورية فهي الأحدث وطبعاً كلّ جديد لا يخلو من الأخطاء والانتقادات، ولن نكرر ما ذُكر أو ندافع عنه، لكن وجب التذكير بأن التشابه بينه وبين غيره من حيث الديكور والأجواء ليس وليد الصدفة أو مقصوداً دون سبب، وشخصية المضيف وتصرفاته، كل هذا يندرج تحت ما يسمى “كليشيه” برامج الكوميديا الحوارية العالمية. لكن هذا لا يعني إغفال سوء اختيار المقدم الذي يتميّز بغيره من البرامج بخضوع اختياره لقاعدة “المقدم النجم” هذه القاعدة التي كانت سبباً بزيادة جماهيرية البرنامج، وحتى اقتصار الفرقة الموسيقية على مهندس صوت يحاول جاهداً التواصل والالتقاء مع المقدم في نكاته دون جدوى. ويضاف لذلك كله اسم البرنامج “كلام كبير” الأكبر بكثير من مضمونه، وتشابه اسمه مع برنامج حواري آخر لكن سياسي، يعرض على قناة فضائية مصرية ويقدمه الإعلامي محمد ناصر. مع ذلك يجب ألّا ننسى أنّ البرنامج يعرض على شاشة قناة وطنيّة وهذا بحدّ ذاته خطوة يشهد لها.

وأخيراً، وجود بعض الأخطاء أو الملاحظات، لا يلغي حاجتنا الملحة لمثل هذا النوع من البرامج، لعلها تؤتي ثمارها بتسلية جمهور متعطش للفرح وتنكز مواقع خللٍ فتستجيب آذان اعتادت الصمّ عن أوجاع الناس، وتكسر رتابة البرامج الحوارية العادية التي اعتدنا أسلوبها وتَكَهنّا بنتائجها.

سامر الخيّر