ثقافة

الثنائي شريفي و بلبل.. يسيجان المقامات الفنية بالوجد

عصام شريفي وسمر بلبل ثنائيان لهما فرادتهما.. جعبتهما عامرة بالفن وغيومهما بيضاء الروح ملونة الحكايا، يشقان سكون الفن كمرج مزهو بالاخضرار وتألق الحنين.. فسمر مغنية سورية صوتها غدير من وداد يأسر السامع ويحلّق به في فضاءات من ألق الفن الجميل، وعصام فنان فسيح القلب كالسماء يشكل بموسيقاه سحباً من الندى وحقولاً من الحب، جمعه مع سمر فضاء اللحن والكلمة الشفافة والصادقة، كلاهما ينتميان لأسر لها عراقتها الفنية، تشربا قيم الأصالة منذ الصغر، فشكلا بالصوت واللحن أجمل ثنائي فني ينبض بعبق الشرق وروحه.

سمر ابنة الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل الذي كان بعيداً في نظرته لمستقبل أولاده عن الآباء الآخرين، الذين عادة مايوجهون أبناءهم لدراسة فرع جامعي يمتهنونه ويكون مصدر عيشهم في الحياة، وبعدها لهم المجال أن يعيشوا الفن كما يرغبون.. لكن مع سمر كانت الحالة مختلفة حيث والدها هو من اختار لها مستقبلها ووجه بوصلتها باتجاه الغناء. ثم جمعتها الحياة بـ “عصام شريفي” الجراح والفنان الذي واءم بين الفن والجراحة فحقق التميز في كليهما، واليوم هما في دمشق لإحياء أمسية غناء شرقي على مسرح الأوبرا بدمشق. وعلى هامش الأمسية  التقت “البعث” الثنائيان الجميلان وكان هذا الحوار حول تجربتهما الفريدة والمتفردة والبداية كانت مع الفنانة سمر التي تحدثت عن بداياتها الفنية قائلة:

منذ كان عمري سبع سنوات وجدت نفسي فرداً في أسرة مسرحية هي فرقة “فرحان بلبل المسرحية”، فبينما كان الأطفال يلعبون في الحارة كنت أنا ألعب على خشبة المسرح، لأنهم وهم يتدربون على المسرحية كنت أراقبهم إذ ليس من مكان آخر أكون فيه، فكان ملعب طفولتي هذا المسرح، بعدئذٍ شاركت في مسرحية للأطفال غناء وتمثيلاً، وعندما سمع والدي صوتي قال لي: أنت يناسبك الغناء أكثر، لكن لم أكن موافقة على كلامه لأنني أحببت المسرح جداً، وربما أنا كنت ممثلة أكثر مني مغنية، لكن لم تسنح لي فرصة أن أستطيع تقدير هذا الشيء، وبدأ مشواري مع الغناء، ولكن للأسف في حمص لا يوجد معهدٌ أكاديميٌ أو حاضنة للمواهب، فكان والدي يدعو أصدقاءه ومعارفه من موسيقيين ونجتمع حتى أستطيع الاستفادة قليلاً من خبرتهم، والحقيقة غصة في روحي أني لم أخضع للتأسيس الأكاديمي منذ البداية، حيث كانت مسيرة حياتي كلها قد تتغير، وبعدما تعرفت إلى عصام، بدأ مشواري الفني يأخذ خطاً مختلفاً، فبدأنا العمل مع بعض الفرق الموسيقية وخرجت من أجواء أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم، -مع أنهم جميعهم أساتذتي-، وبدأت أشكل لنفسي خطاً خاصاً بي، وبعدها دخلت إلى المعهد الموسيقي في عمر متأخر بعمر الـ21 عاما، لكن قبل ذلك لم يكن هناك أي تأسيس أكاديمي.

< أسأل د. عصام عن السبب الذي أخذه للموسيقا وهو الطبيب الجراح الذي تمثل مهنته فناً من نوع آخر فأجاب:

<< الفن لم يأخذني لأني ولدت في بيتٍ تشكل الموسيقى جزءاً من طقوسه، فوالدي يمتلك إحدى أهم مكتبات الموسيقى العربية على امتداد الوطن العربي، وكان يقول لي بعد أن وعيت الحياة: ليس لدي ثروة سوى المكتبة الموسيقية، والموسيقى التي استطعت أن أعلمكم إياها، فكنا أنا وأخوتي امتداداً لوالدي، لذلك الموسيقى موجودة لديّ قبل الطب الذي جاء بحكم التسلسل العلمي، وأحببت مهنة الجراحة، فلو لم أكن جراحاً لكنت طبيباً فاشلاً.

< وإلى أي مدى يحضر حسك الموسيقي أثناء إجراء عملية جراحية وبعدها ليخفف من تعبك وتوترك؟

<< أنا لا ألحن حتى أكون قد هضمت الكلمات واستوعبتها بشكل جيد، لأنني أعمل على هذا الموضوع كثيراً، وأساساً إذا لم أكن معجباً بالكلمات لايمكن أن آخذها، لذلك إنتاجنا قليل، لكن النوعية مختلفة، والكلمات تبقى عالقة في رأسي أينما أكون، وفي الفترة التي أجري فيها عملاً جراحياً ربما أهرب من التوتر وأشتغل برواق أكثر عندما أكون أدندن بهذه الكلمات، وكثيراً ما صادف أن خرجت من غرفة العمليات فأسجل على تليفوني جملة حضرتني وأنا أجري العملية، وهذا ليس بعيداً عن عملنا، لأن الجراح بحاجة لفترات راحة ذهنية دون أن تأخذ من شغله الأساسي، فهي تمنحني هدوءاً أكثر، فالجراحة فن أيضاً، بينها وبين الموسيقى ترابط كبير، وهناك ترابط بين التفكير وحركة الأصابع.

< ماهي المعايير التي اعتمدتموها في تقديم رسالتكم لمجتمع غريب عنكم من حيث لغته وثقافته وفهمه لموسيقانا؟ كيف استطعتما بلورة هذا المشروع؟.

<< الثقافات متنوعة، وكل البلدان تشكل فرقاً وكوادر لتطلع على ثقافات بلدان أخرى، والموسيقا هي الفن الشعبي الأول في العالم، وتدخل لكل بيت، ويمكن لأي أحد أن يحضرها، وبالتالي مهمة توصيلها للناس أكبر لأنها أرقى أنواع الفنون، ومن هنا كانت صعوبة مهمتنا، لكن المعيار الأهم في كل فن هو الجدية والإحساس الذي يمكن نقله للمتلقي، فاللغة لاتقف عائقاً أمام الموسيقى، وفي كثير من الحفلات التي قدمناها أتى الناس إلينا وقالوا لنا لقد عشنا إحساساً جميلاً مع أننا لم نفهم ما تقولون، وهذا يعني أنهم يتذوقون الموسيقى ويعيشونها بإحساسهم، وبالمقابل سمر كانت تؤدي بإحساس عالٍ، والشيء الوحيد الذي قمنا به أننا جعلنا حالة التطريب مركزة أكثر، عبر خلق حالة من المشاعر بشكل مكثف ومتلاحق وليس بشكل انسيابي، فهذا النمط لا نقدمه كثيراً هناك، بل يمكن أن نقدمه للجمهور السوري أو العربي الموجود معهم، أما عندما يكون الجمهور فرنسيأً أو أوروبياً يكون الموضوع مركزاً أكثر على التتابع الخاطف أو التعبيري بشكل أساسي.

< هل هناك شرائح محددة تتوجهون لها بموسيقاكم، وإلى أي مدى ضمن هذا الضجيج استطعتم الحفاظ على مشروعكم الذي لا يمكنكم أن تقدموا أنفسكم إلا من خلاله؟.

<< سؤال صعب لاأعرف كيف أجاوبك عليه، أنا أشعر اليوم أن هناك أزمة أدبية وأخلاقية وثقافية في كل العالم، مستوى الهبوط الذي نعيشه في أوروبا أكثر بكثير من هنا، ولاأدري إلى أين سيصل بنا، وهذا الكلام نسمعه منذ عشرين عاماً، وهو أحد الأسباب التي جعلتنا نترك البلد للأسف، هذا الوجع الذي نعيشه بأن الناس يطلبون أن نعمل شيئاً مختلفاً، ومهمتنا إرضاء الجميع، لكنني أسأل لماذا منذ خمسين عاماً كنا نرضي الجميع بما نقدم، وكان الجانب الفني والموسيقي يعيش في أسمى  وأرقى مراحله، لماذا اليوم علينا حتى نرضي الجميع أن نهبط إلى هذا المستوى السيئ، ولماذا عندما نقوم بحملة انتخابية لشخص ما في أوروبا أو أي بلد نشتغل عليها أربعة وخمسة أشهر لنشكل رأياً عاماً على الشخص الذي اخترناه، ليذهب الناس وينتخبوه، هذا يعني أن الرأي العام يصنّع، فلماذا لا نصنّعه في الفن ونرتقي بهذا الرأي وهذه الذائقة، ونحن قادرون على صناعته فنياً، لكننا لا نهيئ له الظروف التي تساهم وتساعد في ارتقائه، بل على العكس نساهم أكثر في الظروف التي تجعله يهبط ونهبط معه، فما يقدم لايدخل في إطار الفن والموسيقى، ولا أعرف ماذا أصبح اسمه، أراه استعراضاً وإثارة مجانية مخيفة، إنه هادم لقيم المجتمع بطريقة مخيفة، وأنا برأيي مؤسساتنا هي المسؤولة عن هذا الموضوع، ولكوني أجري هذا الحوار لجريدة “البعث” كونها مؤسسة وطنية تابعة للحكومة فهي جزء من هذا المشروع المطلوب منه العمل على صناعة الرأي العام، بأن لايترك له الخيار إلا ضمن حدود الأناقة والرقي، فإذا كانوا يصنعون الرأي العام في السياسة كما يريدون هل نحن عاجزون عن صناعته في الفن لنرتقي فيه إلى حالة ثقافية تليق، فحربنا الأولى هي حرب ثقافية وضع السلاح تحت تصرفها.

< برأيك إلى أي مدى النخبوية الفنية مسؤولة عما وصلنا إليه فأنت كفنان تتوجه لشريحة معينة من الناس ففي الأوبرا بصعوبة يحصل المواطن على بطاقة لحضور أي أمسية فنية أو نشاط يقام، هذا الأمر من المسؤول عنه؟

<< هذه مسؤولية الجميع، الفنان هو أداة لإيصال الرسالة، لكن المسؤول عن إيصالها هم مؤسساتنا الثقافية التي كما أراها لم تسر في برامجها الثقافية والفنية بخطا موازية للحرب التي حصلت على بلدنا، وحتى الآن لم تأخذ دورها الصحيح.

< لكن هناك الكثير من النشاطات الفنية والموسيقية التي أقيمت خلال الحرب ألا تندرج في إطار الرسالة التي تتحدث عنها وترتقي بالحالة الثقافية؟

<< النشاط الفني بحد ذاته هو الحياة، هذه النشاطات رسالتها التأكيد على أننا مستمرون في الحياة، والموسيقى توظف بحسب المناسبة، وهذا ليس خطأ، لكن ما أتكلم عنه هو الحالة الثقافية للموسيقى، الاستمرار شيء والمستوى الذي يقدم شيء آخر، فأن نبقى نقدم فناً هذا تحد كبير، لكن إذا توقفنا عند الشهداء وما قدموه من تضحيات أعتقد أنه علينا أن نقدم فناً يرتقي لمستوى تضحياتهم على كل المستويات، وما نقدمه الآن لايرتقي لهذا المستوى، ومن يسعون لتقديم  شيء جدي وملتزم وحقيقي لاتوضع أمامهم كل الإمكانيات والأدوات ليقولوا نحن نحارب بنفس مستوى هذا الجندي الذي يضع روحه على كفه ويذهب للقتال، ليتنا نستطيع الارتقاء إلى هذه التضحيات بكل المجالات.

< بماذا تفسر تقديم المشاركين في البرامج الفنية التي تقام في الخارج وحتى هنا اختباراتهم أغنيات من التراث؟ فعندما يقدم طفلٌ أغنية لصباح فخري نصفق له كثيراً ونسعد بأدائه، لكن إلى أي مدى نحن نشتغل عليه ليبقى ضمن هذا الخط، ولنشكل منه حالة جميلة وراقية؟

<< هم يلجؤون إلى التراث لأنهم لايرون شيئاً في الواقع الراهن يستطيعون أن يأخذوه مثلاً أعلى لهم. أما الجزء الثاني من سؤالك فله شقان: الأول يضعنا أمام سؤال لماذا هذا الطفل قدم أغنية لصباح فخري، ولم يقدم أغنية لمطرب من هذا الجيل، وباعتقادي السبب واضح أنه عندما يقدم لصباح فخري يحقق حضوراً مميزاً، والشق الثاني: أنه قدم هذه الأغنية ومن بعدها ما هو مصيره، هناك كثير من الناس نجحوا في هذه البرامج، لكن فيما بعد لم يقدم لهم المستوى الذي يليق بما قدموه أثناء المشاركة فيها، لأنهم ببساطة يستغلون هذا النجاح لتحقيق الانتشار وتوظيف موهبتهم وقدراتهم ضمن المنهج العام، ويصبح الموضوع المادي هو الأساس، ولهذا السبب أنا وسمر نعمل من أجل الفن وللفن فقط، وعملي كطبيب موظف لخدمة الفن الذي نعمل فيه، لذلك استطعنا الحفاظ على مستوانا الفني.

< وغياب شعراء الأغنية هل يمكن أن يكون سبباً في تراجع مستوى الأغنية، وغياب مهرجان الأغنية مثلاً إلى أي مدى كان قاعدة تأسيس حقيقية للأغنية السورية؟

<< بامتعاض يجيب د. عصام لاأريد أن أتحدث كثيراً في هذا المجال لأن جرحنا كبير، وتداخل سمر بقولها: أحد أسباب سفرنا إلى فرنسا لأنه لم يعد لنا كما يقول المثل “خبزة فنية” هنا، نحن خرجنا مضطهدين فنياً من سورية لأنه لم يقبل احد المستوى الفني الذي نقدمه. ويضيف عصام، ورغم كل جراحنا نحن راجعون بكل هذا الحب الذي ترينه.

< أطلق عليكم لقب ثنائي صوت الشرق، إلى أي مدى حملكم هذا اللقب مسؤولية أولاً، وإلى أي مدى أنتم حريصون أن تظلوا في إطار هذا الثنائي وضمن هذه الرسالة؟.

<< هي كانت فرقة تحمل اسم موسيقى صوت الشرق ونحن أخذنا على عاتقنا أن نبقى نمثل مدرسة الموسيقى الشرقية ومتابعة هذه المدرسة، ونحن لم نتخل عن المبادئ التي بدأنا بها، وحريصون دائماً أن نبقى على سوية معينة، وعندما نأتي ونقدم أمسية في دار الأوبرا نقدمها بنفس المستوى الذي اعتدنا عليه، ولانتنازل عن شيء، فنحن لانسعى إلى إرضاء كل الناس ونقدم لهم أي شيء، لأنه برأيي الناس هم القادرون على التمييز بين الجيد والهابط، بمعنى المشكلة ليست في الجمهور وماذا يريد، بل المشكلة ماذا نقدم لهذا الجمهور.

< بالنسبة للكلمات التي يمكن أن تغنيها سمر وتلحنها أنت أليس هناك شعراء تتعاملون معهم يكتبون لكم، بعيداً عن الغناء لمطربين آخرين، أو قصائد لنزار قباني؟.

<< تجيب سمر: ليس بالضرورة أن يوجد شاعر يكتب لي بشكل خاص، لكن مؤخراً هناك حالات شعرية يراها عصام عبر الفيسبوك يقرأ إنتاجات لأشخاص غير معروفين، لكن صدقيني نصادف نصوصاً جيدة جداً ومؤثرة، مثلاً هناك شاعرة طبيبة من اللاذقية اسمها “ريم بيطار” تكتب بطريقة جميلة وحساسة، وببساطة أشعر أن جملتها الشعرية ملحنة وجاهزة ولا يعاني عصام بوضع اللحن، وجمالية الشعر الذي تكتبه أنها تتحدث بلغة الأنثى وأنا نادراً ما أجد شعراً يحكى بصوت الأنثى، وهذه فكرة ظريفة جداً أن أغني وأتحدث باسم الأنثى، فنحن نحاول إيجاد شعر لشباب جدد، مدرسة جديدة، وهناك أكثر من قصيدة وجدها عصام هي قيد الدراسة.

< أسال عصام عن قصيدة الشاعرة الطبيبة كيف وضع لها اللحن وما الصعوبة  التي واجهها في تلحين كلماتها، خاصة وأنها تتحدث عن هموم هذا الجيل وتعايشه مع أحداث اليوم؟ وهل يمكننا القول أنه يمثل مرحلة جديدة عما سبق وقدمتم؟

<< نحن نتعب كثيراً لنجد الكلمة التي يجب أن نعمل عليها والتي يجب أن تعبر عن شيء يحدث اليوم، لأن التراث عبارة عن مدرسة متينة للغناء الموسيقي، لكن الكلام ابن اليوم، والطبيعي أن تكون الموسيقى ابنة اليوم وتعبر عن ما يحدث اليوم، والكلمة هي الرقم واحد في العمل الغنائي وبعدها تأتي الموسيقى والمؤثرات الصوتية فتخلق منها حالة تعبّر عن هذا الجيل، فالآن نكتشف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أموراً لم تكن معروفة مثل بعض النصوص، وأنا دقيق جداً باختياراتي، الشعر يجب أن يكون مدروساً ومتقناً وموزوناً، وقد أنجزنا أغنيات وطنية كثيرة تعبر عن حالة الأزمة، وعن مدى انتمائنا وتمسكنا ببلدنا.

< سيلتقي جمهور دمشق معكم غداً عبر أمسية غناء شرقي ستقدمون فيها قصيدة الشاعر الراحل عمر الفرا، “الوطن يابني شبيه الأم” ماذا تحدثنا عن اختيارك لهذه القصيدة؟

<< هذه القصيدة رائعة وأنا أشتغل عليها منذ خمس سنوات، لأنه رحمه الله كتبها بشكل نثري ولم يفكر أن تكون أغنية، ومنذ أربع سنوات بدأت بها وتركتها، شعرت أني لست قادراً على إنجازها، لأن كلاماً كهذا حتى يتم تخليده موسيقياً يجب أن نشتغل على ما يضيف عليه، ولا ينعكس عليه سلباً، فانسحبت من المشروع، والآن عدت إليه وأعتبره حالة تحدٍ بالنسبة لي، وهو عمل مهم جداً، سنقدمه في أمسيتنا اليوم في دار الأوبرا وهو عمل يلامس إحساس كل سوري تجاه ما يحصل في بلدنا، كلماته ابنة اليوم محكية بشكل راق ورائع وبحس وطني.

وتضيف سمر: هذه القصيدة لامستنا كثيراً لأننا في الغربة، والشاعر عندما كتبها وجهها لابنه في الغربة أيضاً، وأنا منذ أن أتت ابنتي إلى هذه الحياة وأنا أعيش بهاجس كيف أزرع فيها حب الوطن خوفاً من أن تكبر وتكون ابنة الغربة دون أي انتماء أو جذور، هذا شعور جعلنا ربما نعذبها قليلاً، لذلك أنا أشعر أن هذه القصيدة حاكت هواجسي بشكل مباشر، أشعر أنني أحاكي ابنتي من خلالها، وشعرت أنها درساً علينا الاعتبار منه، كلماتها أعطتني أفكاراً جديدة كيف أربي ابنتي، وربما تظنين أنني أبالغ، لكن صدقاً نحن في الغربة كل ما نعيشه من مشاعر وشوق تجاه الوطن مضاعف بخمس مرات عما يعيشه الناس هنا.

< هل فكرتم بمشروع يمازج بين الشرقي والغربي؟

<< طبعاً.. أنا اشتغلت فترة وجودي عشر سنوات غناء أوبرالي، وهذا الشيء فتح لي آفاقاً جديدة بصوتي، لكن ربما هناك من يقول لي من الأصدقاء أن ما أقدمه أخذ شيئاً من شرقية صوتي، وأنا لم أشعر بهذا، وقد بقيت لسنين أعمل حتى يسمعنا المستمع الفرنسي ساعة ونصف ولايفقد التواصل معنا ولا ثانية، ولاتتخيلي كم هي المهمة صعبة، حتى أنني أحزن أن عصام ينسى أن يعزف كعازف لأنه طوال الوقت يبقى يفكر كيف يعزف كأوركسترا عبر العود، كنت أخاف أن لايفهم المستمع الفرنسي ماأقول، لذلك كل حفلة قدمتها كانت حالة تحد أواجه بها الجمهور، طبعاً هي حالة من التحدي الإيجابي، هذا الشيء ربما جعل صوتي يتأثر قليلاً، ومشكلتي –تقول ضاحكة- ربما كيف سأستعيد المستمع السوري.

< غنيت بالآرامية وهي تراتيل تنحو للإنشاد الديني والصوفية، هل يمثل هذا حالة توازن وارتقاء لتعطي بشكل مغاير؟

<< من خلال غنائي بالآرامية أقول هذه هي سورية، من هنا بدأت الحكاية، وليس كما يظنون من عندهم في أوروبا، وهنا أشير إلى أنه في كل حفلاتنا التي غنيت فيها بالآرامي حتى في الكنائس كنت أقدم توليفة أرامي صوفي، وأنا استفدت كثيراً وأعترف أن الفكرة بدأت من هنا من جوقة الفرح، ومع الراحل حمزة شكور، والحرب فتحت عيوننا على أهمية هذه المسائل وجعلتنا نوظفها في سبيل إظهار تاريخنا وحضارتنا وفننا عبر هذه التراتيل، فسابقاً كنا نعيش برفاهية، نتغنى بالفن تغنٍ، لكن في هذه الحرب أصبح الفن حاجة ووسيلة ورسالة فنية وثقافية وتاريخية وسياسية وإنسانية.

حاورتهما: سلوى عباس