ثقافة

قراءة في قصيدة الشاعرة أحلام غانم “بسملة التراب”

هذه القصيدة للشاعرة أحلام غانم مفتتح كتاب (جرح الوطن) الذي أعده وقدم له الأستاذ محمد حديفي ونُشر ملحقاً لمجلة الموقف الأدبي عدد (556)  آب 2017 م، أقول: هذه القصيدة ذات ومض شعري أخاذ، نقل القصيدة من موقف الانفعال العابر إلى حالة شعورية متماسكة ممتلئة بحب الوطن كحب سرمدي لا أغلى ولا أعمق، هو الحب المتجذر في الأعماق الراقصة بنشوته حد الهيام، وهذا ما أعطى لهذه القصيدة المعنونة بـ “بسملة التراب” وهجاً لا يخبو لأنه يتجدد عند كل قراءة ومعه يتجدد حب الوطن في أسمى مراتب الحب التي لايدانيها سوى عشق المتصوفة في تساميهم، وعشقهم -لا ريب- هو العشق الصافي الذي يُضيء على الدوام في شرايين الشعر، بل هو العطر الذي تنثره هذه القصيدة من عنوانها حتى آخر كلمة فيها، مما يدل على تماسكها ووحدة شعورها بما لايدع مجالاً للتأويل في أن القصيدة بعيدة عن الافتعال أو الانفعال العابر الذي يكتنف شعر المناسبات لأن الوطن قيمة عليا، بل أعلى القيم، والتغني به هو التغني بالحياة النابضة بكل منابع الحب الدائم بل الحب السرمدي. وإذا كان عنوان أية قصيدة هو ثرياها المضيئة، فعنوان هذه القصيدة هو “بسملة التراب” وفيه تناص مع النص القرآني الذي مُفتتحه دائماً هذه (البسملة) الشريفة التي ترتفع به إلى السمو الإلهي الذي يُضيء الوجود بكل جوانبه، تقول:
أنثى لها في كلِّ/فاتحةٍ دعاء/كالشمسِ في رأدِ/الضُحى سمراء
هذه بارقة الضوء الأولى ولمحه الساطع الذي يُسبغ على الوطن جلال مقامه وعمق تجليه في النفس الإنسانية النقية، هذا الوطن الذي هو:
“وطنٌ كنبضي/فيه ألفُ رسالة/لله إذْ كنا من الجُهلاء”.
في هذا اللون من السرد الشعري الذي يمتلك صفاء التعبير ورشاقته بتدفق عذب وتفنن طريف في زاوية الرؤية التي تنظر منها الشاعرة إلى موضوعها، لخلق عالم شعري رمزي يوازي الواقع ويفارقه في آن، وبتعبير أدق لخلق صورة لواقعها عبر عناصره الناهضة بالجمال والتحدي والإرث التاريخي والأمل المستقبلي، تمزج الماضي بالحاضر بالمستقبل لتخلق مزيجاً من الواقع والحلم، تقول:
“الشام حاضرة السلام/تخضبت/وتخضّبَ المعراج/والإسراءُ/لا تحزني/ياربَّةَ الشهداء”
هذا التدفق الشعوري يُعلي روح المقاومة التي تطاول هشاشة الأعداء المتربصين كأفاعي الشر بالوطن المُتسامي نحو العلاء، الوطن الخالد بصفحاته الجميلة التي توجت جبينه على مرِّ العصور فما استكان ولا انتكس، لأن لا حب يعلو فوق حب الوطن، فهو جذوة حب في عروق كل مخلوق، والإنسان ليس استثناءً، ولن يتمظهر إنسان بحب وطنه، لأنه كسائر المخلوقات مطبوع على حبه، ويحمله في قلبه وضميره وفي وجدانه، تقول:
“يا رقصةَ الأيكِ/وياأمَّ الهديل/وياسرَّ الغناء/ياجرَّةَ الخمر المُعتَّق بالحنين/وبالصهيلِ وبالتراب/وجهي إليكِ مسافرٌ/يتلو اليقين وينطوي أملاً/بنهدك وإرتواء/بستَّلُ من فيضِ الجمالِ بديله/وعلى فرات القلب يُمسي فجره/ويهلِّلُ العصفور يشدو بالوفاء”
في هذا المقطع يتجسد الحب بالكلمات ليشكل لنا فضاءً شعرياً يمتزج فيه جمال الوطن بجمال الروح فينبض المكان بالروح ليفوح الشذا كعبق مموسق، وهذه الصورة المكتنزة بمحورها التشبيهي القائم على قطبين، قطب الصورة الشاخصة للوطن، والصورة المعنوية لدى الشاعرة ينقل صورة الوطن إلى صورة محسوسة تذوب في أجزائها عناصر البلاغة والتدفق الشعوري الفياض، والشهيد نبض الفداء في روح الوطن، فهو نجمة علائه وكرامته، وروح الشهيد تعانق روح الوطن ليرتفعا إلى السمو الأعلى الذي لايطاوله سمو لذلك:
“وشهيد هذا العطر/يسكن في دمي/ومن الشهادة نجدةً وولاء/الشام حاضرة السلام.
طلال الغساني الحديثي