بين “إني ذكرتك” و”السح اندح نبو”
تمّام علي بركات
إذا قمنا بمراجعة عامة لحال الأغنية العربية، فسنجد أنها كانت في قمة مجدها عندما استندت كلماتها إلى الأدب العربي والشعر منه تحديدا، فمثلا أهم أغاني “أم كلثوم” اتكأت في كلماتها على قصائد عربية، كان لها حضورها العالمي أيضا، والشاعر الباكستاني “محمد إقبال” الذي تحل ذكرى مولده اليوم، كان قد كتب قصيدة “أغنية الروح” ذات المنحى الصوفي الوجداني، لتجد فيها تلك العبقرية “ثومة” ما أبهرها ودفعها لجعلها واحدة من الأغنيات التي مثلت ركنا من أركان قوة الأغنية العربية في تلك الفترة.
حتى عندما ظهرت مدارس عربية جديدة للأغنية، كمدرسة “الرحابنة”، فهذه المدارس ورغم تحديثها الموسيقي إلا أنها عرفت أنه لا بد لها لتنجح، أن تنهل من الشعر العربي ومن القصائد التي كان لها عظيم الأثر في الوجدان الجمعي العربي، ومن هؤلاء الشعراء “جرير” الذي غنت له “جبل الريان” أيضا “عنترة بن شداد” حيث غنت قصيدته الشهيرة “إني ذكرتك” والكثير غيرهم من فحول الشعر العربي، الذين كانوا وظلوا يقدمون للفنون العربية العديد من القواعد والنصوص التي تساهم في ارتقاء فنهم، لكن هذا لم يحدث، وخصوصا في الأغنية المحلية، التي تعاني موتا سريريا بطيئا، رغم وجود العديد من الأسماء لمغنين سوريين كان لهم ذات يوم عظيم الشأن في هذا المجال، لكن هذا ليس هو المطلوب، خصوصا بعد احتلال إسرائيل لفلسطين، وذهاب العديد من الدول العربية للتطبيع معها بأساليب لم تعد تخفى على أحد، وبما أن الفن بأنواعه، كان من أهم مقومات قوتنا كشعب عربي خصوصا في الشعر، لذا تقرر ضرب هذا المُتكأ القوي الذي يبث الروح والحياة والكرامة والمجد والجمال في النفوس، حتى أن العديد من النقاد العرب، يجدون أن ضرب مرتكزات الأدب العربي وخصوصا الشعر، واستبداله بما هو غريب عن الروح العربية وعن ما تتناغم به وتتأثر وتؤثر فيه، ما هو إلا جزء من تفاصيل الخطة الموضوعة، لضرب كل ما هو جامع عربيا حتى في الأغنية، ولاحظوا ظهور موجات الغناء الهابط بعد فترة قليلة من نكسة حزيران، حيث ظهر “شعراء” أغنية عربية، كانوا هم رواد “السح اندح انبو” وما تلاها من نكسات في الغناء العربي والمحلي أيضا، الذي ذهب نحو تقليد ما يجري في المنطقة، خصوصا مصر، باعتبارها كانت الأخت الكبرى التي لديها فنها الخاص وطابعها الفني المميز في مختلف أنواع الفنون، لكن “موجة” عمرو دياب وحميد الشاعري ومصطفى قمر وغيرهم من نجوم هذه الأغنية العربية اليوم، هم أسياد الساحة الفنية العربية التي تبدو وكأنها بهذا الفن بلا روح أو شبه عارية، وما الذي يريده عدوك أكثر من هذا، يكفي أن يملأ ذهنك بالترهات، حتى تضيع البوصلة، والبوصلة ضائعة حتى اليوم للأسف، عربيا ومحليا!.