(أوبرا الشحادين).. مسرحية تستعير الواقع لتدينه على خشبة الحمراء
مزجت مسرحية (أوبرا الشحادين) بين المسرح والواقع في لعبة جريئة فنياً من خلال سردها حكاية الباشا ممثل ومخرج المسرح المغمور الذي يلجأ برفقة صديقه إلى أحد المسارح المهجورة الذي يشهد مفارقات عديدة مع كل من سامر ورفيقته المتشردين اللذين يتحولان مع وصول لص الحقائب ورجل الشرطة إلى ممثلين في فرقة مسرحية للتمويه على سرقات وتجاوزات طالت الجميع.
متن الحكاية التي صاغها كل من الكاتبة بدر محارب والمخرج سلمان شريبة ساق مجموعة من الأسئلة الوجودية عن سكان الهامش الاجتماعي وأحقية هؤلاء في العيش والحب بعيداً عن عالم العنف والجريمة ليكون الجمهور أمام ما يشبه ملهاة ساخرة قدمتها فرقة المسرح القومي باللاذقية في عرضين ضمن زيارة لها لخشبة مسرح الحمراء الدمشقية في إطار الخطة السنوية لتبادل العروض التي تدأب مديرية المسارح والموسيقا على تكريسها بين مسارح المدن السورية.
(أوبرا الشحادين) التي قدمت عرضيها على أعرق مسارح دمشق عكست تفكيراً جماعياً بالنص وفق توليفة أداء جماعية قدمها كل من حسين عباس ومجد يونس أحمد ووسام مهنا ونضال عديرة ونجاة محمد وعبد شيخ خميس محققين انسجاماً عالياً في صياغة الأفعال وردودها ضمن قالب كوميدي ساخر وظف مشهد قتل الملك في مسرحية هاملت لشكسبير في سياق الحكاية الرئيسة للعرض حين يتقمص المشردون واللصوص ورجل الشرطة أدوارهم الجديدة فيسوقون التباسات ماهرة بين الشخصية والدور في لعبة وجهت انتقادات ذكية وجارحة للواقع المعاش.
واعتمدت أوبرا الشحادين على فضاء لعبي حر بدت وسائله متاحة من المكان الذي اختارته كاتبة العرض ليكون مجازاً عن مسرح الواقع نفسه بما يشمله من خرابات مديدة وفوضى عارمة ليختلط بذلك مسرح الحياة بمسرح الشخوص التي جاءت طازجة وراهنة في ظروفها الحياتية بعيداً عن أي رتوش أو مكياجات تعيق اللعبة المسرحية بل كانت من صلب مادة الحياة ذاتها بكل تناقضاتها وغرائبيتها وذلك وفقاً للسينوغراف الذي ازدحم به فضاء خشبة الحمراء من
تصميم مخرج العرض.
ونقل العرض الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقا نوعاً جديداً من التجارب الفنية التي تتسم بواقعيتها بعيداً عن النصوص المترجمة للإطلالة على شرائح اجتماعية مهمشة عاكسة عميق معاناتها بأسلوب ساخر اقترب من الكوميديا السوداء وصولاً إلى هجاء علني يتحمل مستويات عدة من القراءة تركه المخرج والكاتبة رهناً لتلقي الجمهور خالصين إلى ما يشبه جريمة موت معلن في نهاية العرض حيث يمتزج الهزلي بالجدي والكوميدي بالتراجيدي على نحو مؤثر وغني في دلالاته.