ثقافة

كيف تقنع عقلك بالقراءة!؟

مع تقدم التكنولوجيا الرقمية وسرعة وصول المعلومات، تراجعت نسبة محبي القراءة وبخاصة في عالمنا العربي. فنحن مشغولون جداً بمتابعة آخر أخبار مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر ومشاركة آخر نشاطاتنا التي لا تتضمن غالباً آخر مطالعاتنا. ولكن مشكلة القراءة عندنا تسبق ظهور آخر التقنيات الرقمية. وترجع لعادات تعليم سيئة ناجمة عن سوء فهم “كيف يقرأ العقل؟”. ولكن ما مقدار سوء مشكلة القراءة لدينا؟

آخر تقييم دولي صادر عام 2003، عن الأمم المتحدة لمحو الأمية بين البالغين، ورغم قدمه إلا أنه يقدم صورة أولية عن مشكلة القراءة في المواقف اليومية حول العالم وفي منطقتنا، ولم يتمكن 13% ممن شملهم التقييم من الذين أنهوا المرحلة الثانوية ولم يواصلوا تعليمهم، من شرح معنى استعارة مستخدمة في قصة أو العثور على تاريخ لحدث معين دون استخدام الإنترنت. وعندما أصبحت الأسئلة أكثر صعوبةً، كمقارنة افتتاحيتين من صحيفتين مختلفتين أو تقييم عروض بطاقات الائتمان، فشل 95 في المئة.

ولفهم المشكلة أكثر نضرب المثال التالي، كل نثر لديه ثغرات واقعية يجب أن يملأها القارئ، مثلاً “وَعَدت بعدم اللعب به، ومع ذلك لم تسمح لي أمّي بإحضار مكعب الروبيك إلى المكتبة”، أغفل المؤلف في هذه الحالة ثلاث حقائق حيوية للإدراك، يجب أن تكون هادئاً في المكتبة ومكعب الروبيك يحدث الضوضاء ولا يقاوم الأطفال إغراء الألعاب. إذا كنت لا تعرف هذه الحقائق، قد تفهم المعنى الحرفي للجملة، ولكنك ستفوّت سبب منع الأم للّعبة في المكتبة.

وقد تعتقد، أنه يجب على الكتّاب أن يستوفوا أفكارهم وجميع المعلومات اللازمة لِتُفهم كتاباتهم. بمعنى أخبرونا أن المكتبات هادئة. ولكن هذه التفاصيل تجعل السرد طويلاً ومملاً للقراء الذين يعرفون بالفعل تلك المعلومات. بالتالي يجب الخضوع لقاعدة “الكتابة لجمهورك” أي المقامرة بما يعرفه.

ما الذي يتطلبه الإدراك؟

ببساطة المعرفة الواقعية بحسب دانييل ويلينغهام، أستاذ علم النفس في جامعة فرجينيا ومؤلف كتاب “العقل القارئ: نهج معرفي لفهم كيف يقرأ العقل”.

كثير من الناس يمكنهم القراءة بمعنى لفظ ما هو مكتوب، ولكنهم أميون وظيفياً. وتظهر ممارسات التعليم الحالية أنه يساء فهم القراءة. فهي تعتبر مثل أيّ مهارة عامة يمكن تطبيقها على نصوص مختلفة والحصول على نفس النتائج الجيدة. لكن إدراك نصّ ما مترابط بشكل وثيق مع المعرفة. وهذا يشير كما ذكر ويلينغهام إلى ثلاثة تغييرات هامة يجب إتباعها في التعليم.

أولاً: تقليص الوقت الذي يستغرقه تعليم القراءة والكتابة في الصفوف الأولى. حيث يقضي طالب الصف الثالث 56 في المئة من وقته على أنشطة تعلم القراءة والكتابة، بينما يقضي 6 في المئة على العلوم والدراسات الاجتماعية. هذا التركيز غير المتناسب يعرقل الفهم في المراحل اللاحقة. لذا يجب استخدام نصوص قيّمة المعلومات في الصفوف الابتدائية.

ثانياً: إدراك الدور المهم للمعرفة في القراءة. فإذا درس طفل في المغرب بالتأكيد سيستطيع قراءة وإدراك أي معلومة عن المغرب، ولكن امتحان قراءته بمواضيع أخرى كالحيوانات مثلاً، لا تأتي بنتائج جديّة! المواضيع العشوائية وخصوصاً التي تهم الأطفال يلتقطونها بسرعة أكبر.

ثالثاً: يجب أن يكون البناء المنهجي للمعرفة أولوية في وضع المناهج الدراسية. فالمعايير الأساسية المشتركة للقراءة لا تحدد شيئاً تقريباً بالنظر إلى المحتوى الذي من المفترض أن يعرفه الأطفال. ينبغي أن يتخطى مسؤولو التعليم المعايير الأساسية الحالية عن طريق كتابة معايير غنيّة بالمحتوى.

وعليه، لا يجب إلقاء اللّوم على الإنترنت أو الهواتف الذكية، بل على الجهل. وسيتطلب العمل على تطوير إدراك العقل لما يقرأه تغييرات جذرية في كيفية تعليم القراءة بدءاً من المناهج المدرسية.

سامر الخيّر