دهشة الأعمال الكلاسيكية تشغل الحاضر
استضافت صالة ألف نون في موسمها الماضي معرضا جماعيا لفناني حلب، في حين كانت العاطفة الوطنية تتجه نحو حلب بحكم الأحداث التي عاشتها المدينة، وقد انتصرت حلب بفنونها وعراقتها وتاريخها، ونجح معرض “حلب قصدنا وأنت السبيل” وقدم الشقيقان بدوي أعمالا مميزة في ذاك المعرض, ومن جديد يتم اختيار هذه التجربة في معرض يجمع الشقيقان نعمت وبشير بدوي ويحضرا إلى دمشق مشاركين في الحراك التشكيلي الذي يشهد موسمه ازدحاما وتفاوتا بين العروض الموزعة على بقية الصالات الناشطة، وتتميز هذه التجربة الحلبية الأصل بحضورها القوي الذي يحاكي أصالة الفنون الجميلة بالاعتماد على مهارة الرسم والحرفية في التصوير أساسا وحاملا لنجاحها، لذلك حقق هذا المعرض الدهشة والجاذبية التي افتقدتها بعض المعارض الدمشقية المتلاحقة للتجارب التي تتوكأ على دعاية “الفيس بوك” والضجيج الإعلامي وتفتقد لأبسط معايير التجاوز وامتلاك الرؤية التشكيلية المفتوحة على المغامرة وإثبات الذات التشكيلية، التي تعي بمعادلها البصري الخطاب الجمالي المبدع والمؤثر في المشهد التشكيلي السوري، الذي أضحى يعاني من أسراب المحاولات المقلدة والناسخة لتشوهات الآخرين، بعدما تبرأ منها أصحابها الأصليين وتجاوزوا مفاهيمها.
ولكل من الأخوين سجل غني من المشاركات والمعارض الجماعية التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي، كما يتميزان بالخبرة الفنية والبحث التقني الذي يشغل أغلب منتجي اللوحات الفنية والذين يبحثون عن التميز والخصوصية، وقد تحققت هذه الميزة في الأعمال الجديدة المنفذة على خامات الخشب والقماش بالألوان الزيتية والمواد المرافقة كورق الذهب والمعالجات المادية كالأكاسيد، حسب توصيف الفنانين في البروشور المرفق، وتتضح هذه الخصوصية كأحد ميزات الصنعة والمهنية متقدمة على الفكرة وعلى المشاغل التشكيلية الحداثوية التي تطرق أبواب جديدة في فهم لوحة الحامل، بعيدا عن النزعات التي تستجدي قبول المتذوق العادي الذي تبهره حرفية الفنان في التصوير ومعالجة السطوح بمهارة فوتوغرافية تعنى بالضوء وشفافية الصباغ والتزيين المحاذي لمركز العمل الفني ومشاغلته بموازيات تجميلية، مثل الخط العربي والمربعات المذهبة والمعتقة، كما تتوفر روح الرسوم الكلاسيكية وأعمال الأيقونة التي تعتني بالضوء والأجواء الشاعرية للمشهد مثل فتاة تحمل الزهور وأخرى تعزف الموسيقى أو تمتطي صهوة الحصان في تعبيرية باذخة الرومانسية والحلم، هذه الأجواء لها مريدوها من محبي ومقتني الأعمال الفنية وبعض المتذوقين الذين يفتنون بالتقاليد الكلاسيكية للوحة الزيتية، وهذا الأمر جعل من السهل تحقيق نجاح المنتج الفني على المستوى التسويقي، لكن حسابات الفنون الحديثة في مواضيع العصر والإنسان وحركة رأس المال في الفن تفرض شروطاً جديدة قد تجعل من عديد الأعمال القبيحة موضة يقبل عليها الناس وتحل محل هذه الأعمال النفيسة والعذبة.
في حساب الصنعة المتوفرة في لوحات الأخوين بدوي يمكن اعتبار أن مثل هذا الأمر يزيد من بذخ اللوحة والتقرب من الحالة الأيقونية التي تستهوي الفنان وتشغله بحواس المعلم الماهر الحاذق, ولربما تكون هذه وجهة نظر نهائية يؤكد الفنان ذاته فيها مما تمنحه صفة الخصوصية مع الزمن, ولربما تسقطه في مطب الملل والعادية، وأن الرسم شيء لا يطابق الفن في كثير من محاولاته، فكثير من الأعمال المبهرة في دقة تنفيذها لا تصمد أمام تواضع الفكرة الأخاذة وجدية الرأي الذي يقلق ويثير الأسئلة ويفتح أبواب جديدة للمعرفة والجمال، وفي غياب ذلك قد يتحول الأمر إلى ما يشبه الأعمال السياحية واللوحات التجارية الرخيصة وبعض صناعات الأنتيك والمعادن المطعمة والأخشاب المصدفة والأراكيل المشنشلة بالخرز، وللناس فيما يحبون مذاهب.
أكسم طلاع