ثقافة

“العرس- أبناء الحياة” والفرح القادم لسورية

“نحن أبناء الحياة، أنتم الباقون أبداً، أنتم الخالدون، شهداؤنا الأبرار” بهذه المفردات بدأت عفاف عبد الله عرضها المسرحي الراقص مع فرقتها غابالا الوطنية على مسرح دار الأوبرا، تتويجاً لانتصار سورية وتأكيداً على رحلة الحياة التي لن تتوقف بين الموت والولادة، واللقاء والفراق.

استمدت عبد الله التي أخذت دور السارد في العرض لوحاتها من التراث السوري فجاء ملوناً بألوان المجتمع السوري، ومن خلال تسع لوحات متصلة –منفصلة تضمنتها مشاهد تمثيلية تعبيرية بحكاية شعبية بُنيت على الأغنيات والأهازيج والزغاريد، وصولاً إلى لوحة زفة العروس برمزية إلى انتصار سورية وفرحها بحياة آمنة وهادئة، لتوصل رسالتها بأغنية سورية يا حبيبتي التي اشترك الجمهور بغنائها وتميّزت برقصة حماسية.

وظفت المخرجة عبد الله بذكاء معاناة الشعب السوري والأوضاع الصعبة التي عاشها، من خلال مفردات حياتية بسيطة دمجتها بالأهزوجة لتمرر جانباً من رسالتها بأن سورية بلد الحضارة والفنّ والجمال صمدت وانتصرت.

اعتمدت حركات الرقص بالدرجة الأولى على الفلكلور السوري ودمجت في بعض اللوحات بين الرقص الشرقي والرقص الشعبي، وتوقف الراقصون بوضعية حركة معينة للتعبير عن لحظة الحدث بفنية تناغمت مع الموسيقا والإضاءة وألوان الأزياء المتعددة التي رمزت إلى أطياف المجتمع السوري، فهيمنت على العرض أجواء التفاؤل والفرح الذي انعكس على الجمهور، وكان هناك دور كبير للراقصين في (الصوليست).

افتتح العرض بلوحة السوق الأولى من تراث الريف السوري، ومن ثم بدأت الحكاية من لوحة المولوية التي ترمز إلى رحلة الحياة بين الموت والولادة، وبُنيت اللوحة على طقوس المولوية بالدوران وبترديد ذكر الرسول (ص) وبالاعتماد على الموسيقا الإيقاعية للدف بشكل خاص، لتتبعها لوحة البصارة المستمدة من تراث البادية السورية، وأخذت فيها دور البصارة المحرّك الأساسي للوحة بترديد مقولاتها الشعبية التي تدعو إلى التمني باللقاء”مد إيدك على جيبك تلقى نصيبك” تدريجياً لطقوس العرس التي ظهرت في اللوحات الأخيرة، تميزت اللوحة الشامية التي اعتمدت على أغنيات من التراث الدمشقي “والقلب ما يهوى اتنين، وعل الأرصية والصالحية” بالدلع الأنثوي بالعباءة السوداء وبحركات خاصة تتوافق مع الألحان، لتكتمل الصورة بلوحة الحلاق التي بدأت بدخول الصوليست، واعتمدت على السرد الحكائي مع الأغنيات والمشهد التعبيري للعريس مع الحلاق”يا حلاق زين شعرها الغالي” وبرز فيها دور الراقصين، استمدت من تراث حماه والمنطقة الوسطى، ووظّفت المخرجة الأغنية الشعبية الشهيرة “لزرعلك بستان ورود” مع العتابا الساحلية وصولاً إلى اللوحة الأكثر جمالية لوحة الجاهة وزف العروس من بيت أهلها التي بُنيت على الأهازيج والزغاريد من تراث المنطقة الجنوبية المتناوبة بالترتيب بين أهل العريس وأهل العروس، وأقحمت فيها إسقاطات واقعية للأوضاع الصعبة التي عاشها الشعب السوري جراء الحرب الإرهابية بمفردات بسيطة تدل على انقطاع الكهربا”والكهربا نسيناها” و”الحنفية ما فيها مي” وعلى غلاء الأسعار” والدولار بخمسمية”، ليخلص العرض بموال العرس ونغمات الربابة والتلوين الغنائي والعراضة التي مررت فيها أيضاً المخرجة جانباً من رسالتها بالتعايش الديني الذي تعيشه سورية، بإدخال صوت خافت لأجراس الكنيسة مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن الغناء، لينتهي العرض بحضور عفاف عبد الله بدور السارد” لتلخص بمفرداتها حكاية الحياة “هيك الدنيا عرس وزفة، ناس بترحل وناس بتولد، بدنا نزرع حب ونفرح بالأيام الجاية” لتنتهي الحكاية الرمزية بلوحة سورية “خطة قدمكم” بالحبّ الكبير الذي نعيشه سورية التي تجمعنا “سورية يا حبيبتي”.

التراث معين ثري

وتحدث د. علي المبيض معاون وزير الثقافة ل البعث عن خصوصية الأمسية المستمدة من الفلكلور السوري الغني، والتي تبشر بميلاد انتصار سورية، ونوّه إلى أن التراث السوري معين ثري لكل مبدع ولكل فنان يريد أن يستنبط منه فهو أشبه ببحر مليء باللآلئ، إذ حفل العرض بأغنيات شعبية متنوعة مما يعكس عمق التراث السوري وتنوعه.

وعن رسالة العرض تحدثت مديرة الفرقة بأن الشعب السوري يحب السلام والأمان ويدافع عن حضارته الخالدة وعن ثقافته وهويته، لنبني جميعاً سورية التي يليق بها النصر ويليق بها الفرح، وعن خصوصية العرض بيّنت بأن حياة الإنسان تمر بمراحل قدرية للولادة والزواج والموت، ونحن نؤمن بتعاقب الحياة وبالأجيال القادمة التي ستتابع رسالتنا. وتأمل عبد الله بأن تمثل سورية بهذا العرض والمشاركة بالمهرجانات الخارجية.

وتحدثت الراقصة ميريه صالح كان لها دور أساسي في لوحة الجاهة من عائلة العريس تقوم بمدح العروس تقليداً للعادات بالمنطقة الجنوبية وإشارة إلى أنها ستتزوج بعدها، عن أهمية التوافق الجماعي لإنجاح العمل وظهوره بروح واحدة.

وأضاف الراقص حيدر نعمان الذي شارك في كل اللوحات بأن رسالتنا وصلت من خلال لغة الجسد الإيمائية التي تعد من أسمى اللغات بمحاكاة المتلقي.

تأسست فرقة غابالا الوطنية في جبلة عام  2014شاركت في مهرجانات التبادل الثقافي السوري–الروسي.

ملده شويكاني