ثقافة

شُرفة نقديّة 2

عبد الكريم النّاعم

وُضِع بين يديّ كتاب، ومن عنوانه، ومِن منطوق مَن قدّمه علمتُ أنّه “شعر”، ورحتُ أقلّب أوراقه، ولن أتوقَف عند تقييم هذا الكتاب، فلقد لفتني أنّه طُبع بموافقة من اتحاد الكتاب العرب، والذي أعرفه أنّ الموافقات تُعطى إمّا من وزارة الإعلام، وإمّا من الاتحاد، وهذا هيّج أشجاناً قديمة سبق أن تحدّثتُ عنها، في مقالة، زمنُها يعود إلى أكثر من عشر سنوات، ولقد شاركني الرأي فيما بعد أكثر من واحد من كتّاب الزوايا، ممّن يحملون همّ الكِتاب، ويقدّرون دوره في التوعية، وفي إثارة مكامن الجمال. هذه الأشجان عادتْ من جديد، وربّما كرّرتُ، في مقالتي هذه بعض ما طُرح من أفكار، ولستُ أبحث عن الفرادة، بقدر بحثي عن الحصول على نتيجة تُرضي طموحنا، وتوصلنا إلى الغاية التي نرجوها، وهنا سأتوجّه بالاقتراح إلى الجهات المسؤولة عن الموافقة على طباعة الكتب التي تَرِد إليها، بهدف الموافقة على نشرها، دون النّظر إلى سويّتها الأدبيّة، وفي هذه النقطة ثمّة خلَل مبدئيّ، إذْ كيف يرفض الاتحاد، أو وزارة الإعلام، على نشْر ما يقدَّم له لأنّه غير جدير بالنشر من النّاحية الأدبيّة، ومن ثمّ يُوافق على طباعته إذا كان النّشر على حساب صاحبه، حتى ولو كانت القوانين تُبيح ذلك، أو تصمت عنه؟!.

في المقالة التي سبق أن نشرتُها وأشرتُ إليها، أذكر أنّني طالبتُ يومها بشيء أطلقتُ عليه ” الأمن الأدبي”، وقامت قيامة البعض عليّ متذرّعا بما لدينا من “فروع” للأمن، “أتريد أن يكون لنا أمن أدبيّ بعد”؟!، ولم أكن خجلاً، ولا هيّابا، من تلك التسمية وقتها، ولن أكون الآن، لأنّ جوانب أمن المجتمع كثيرة ومتعدّدة، منها الأمن الغذائي، والأمن الصحّي، والأمن الوقائي، والأمن الاقتصادي، الخ.. وثمّة الكثير من الفروع التي يُمكن تعدادها، فلماذا الاستنفار عند ذكر الأمن الأدبي؟!.

إنّ الآداب، بأجناسها، هي من أخطر ما يمكن أن يحفر عميقاً في النفوس، ومن يدقّق فيما يسبق الأزمات الكبيرة التي تعصف بالمجتمعات يجد أنّ ثمّة تسلّلا فكريّا، يفرش المهاد اللازم لما سيجري من اجتياحات، ولذا فليس الاهتمام الجديّ بالآداب والفنون عامّة مسألة فُضلة، بل هو في صميم بنيان الشخصيّة الوطنيّة القوميّة التقدميّة الإنسانية، ومن هنا يمكن أن ننظر لفكرة أن ندع لكلّ مَن هبّ ودبّ أن يتقدّم بطلب طباعة كتاب على نفقته، مادام قادراً على ذلك، أو مغامراً، مادام لا يقترب من التّابو المُتوارث المحفوظ عن ظهر وبطْن قلب، وبعد ذلك ليتحمّل الطّابع مسؤوليّة قيمة ما طبعه، حتى كأنّ الغثاثات المطبوعة لها مَن يتعقّبها بالنقد، ويكشف مساوئها!.

لا يا سادة، هذا لا يفرق عمّن يسمح بغش البضاعة، واستغفال المواطن، وتزوير الأصيل، إذ كما أنّ العملة الفاسدة تطرد العُملة النّظيفة، فإنّ السماح بإشاعة الفساد في الأدب والفنّ هو رخصة مُدانة، وغير مسؤولة، لأنّنا نسمح بتداول المشوّش، وإذا كنّا نقول، أو (ندّعي) أنّنا نحارب الفساد فإنّ هذا لا يتوقّف عند حدود ماله علاقة بالرشوة، والتربيطات المشبوهة، ولا بالصفقات المتّفق عليها فقط، بل هذا يشمل العقول، لأنّ غزو العقول لا يقلّ خطرا عن غزو البطون.

تعالوا لننظرْ في واقع أجيالنا التي نقول إنّ الفيسبوك والهواتف الذكيّة قد اختطفتْها، وهي ذات الأجيال التي ربّيناها في المدارس، بما فيها من مناهج، وبما يُفترَض أنّها تحمل من تطلّعات، وسنجد أنفسنا أمام جيل يمشي في سديم لا يُعرَف اتجّاه فيه!.

الكثيرون منّا يروون القصص المُضحكة عن معارف هذه الأجيال، وعن علائم ضياعها، وبُعدها عن تاريخها الوضيء لا التاريخ العاتم، فنحن أمام أجيال تحتاج للتأهيل من جديد، فهل يكون تأهيلها بأن نزيد في طنبور الأدب نغم أن يسود الهزيل الذي لا علاقة له ببوارق الأدب الحقّ؟!.

أعتقد أنّ اتحاد الكتاب العرب، في إطار حدوده التي يُتاح له أن يتحرّك فيها، وبحكم أهدافه، يُفترَض أن يتصدّى لهذه المسؤوليّة، وبحكم ثقتنا فيه، وبحكم ما نعلّقه عليه من آمال، ولا أدري ما إذا كانت وزارة الإعلام ما تزال تمنح مثل هذه الجوازات الممرورة، فإنْ كان الجواب الإيجاب فمسؤوليّتها لا تقلّ عن مسؤوليّة اتحاد الكتاب. أيّها المسؤولون عن كلّ ما يتعلّق بذلك، أناشدكم جميعا أن تكون لكم وقفة ناصعة، وحازمة تجاه هذا الأمر، لأنّ النّهوض في أيّة مرحلة يبدأ من الوعي الثقافي الجمالي، فهل ثمّة مَن يسمع؟!.

aaalnaem@gmail.com