ثقافة

“الواقع الثقافي في ظل الظروف الراهنة” في ثقافي المزة

عن “الواقع الثقافي في ظل الظروف الراهنة” قدمت الإعلامية فاتن دعبول محاضرتها في قاعة المحاضرات في ثقافي المزة حيث تناولت تعريف الثقافة بما هي مجموع ما توصلت إليه أمة أو بلد في الحقول المختلفة من أدب وفكر وصناعة وعلم وفن وسوى ذلك، أي ما يهدف إلى استثارة الذهن وتهذيب الذوق وتنمية ملكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع، وللثقافة العربية بتاريخها الطويل عبر آلاف السنين، وللسورية تحديداً بما لها من باع طويل في كل ذلك.
ونوهت دعبول إلى أن ثمة علاقة تولد بين ثقافة المجتمع وشخصية المواطن الذي يعيش في إطارها، ومثلما يولد المواطن داخل مجتمع ما يولد أيضاً داخل ثقافة خاصة لتشكل شخصيته، لأن الثقافة هي الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وهي التي تؤثر في أفكاره واتجاهاته وقيمه ومعلوماته ومهاراته وخبراته ودوافعه وطرق التعبير عن انفعالاته ورغباته، لافتة إلى أننا الآن نواجه هجمة شرسة تطال مناحي حياتنا كافة بما فيها حياتنا  الثقافية، فهم يدمرون الحجر والبشر وأيضا القيم، و ما نراه اليوم ونعيشه هو شيء غريب لا هو من ثقافتنا ولا من أخلاقنا، بل ما نشهده اليوم هو اختراق يطال ثقافتنا برمتها من خلال حرب ثقافية مفعمة بالكراهية والدمار ولغة القتل تقودها دول متخلفة وأناس جهلة يملكون النفط والدولار، مبينة أنه أمام هذه المخاطر الكبيرة التي تواجهنا لاشك تكبر المهمات وتتعاظم ونحن من يتحمل عبئها ومن يتجشم حلها، والدولة هي الوعاء الكبير والمثقف هو أداتها التنويرية.

الحراك الثقافي
وحتى لا يكون موضوع المحاضرة واسعاً وفضفاضاً ركزت دعبول في حديثها على الحراك الثقافي في سورية بعين الصحافة المتابعة، وتحديداً في مدينة دمشق كونها الأكثر قدرة على  الحراك والتفاعل، مع الإشارة إلى أن نشاطات ثقافية عديدة شهدنا حضورها في أكثر من محافظة، قائلة: لنكون منصفين فإن عجلة الأنشطة الثقافية  لم تتوقف على مساحة سورية كافة عبر ألوان مختلفة (مسرح، سينما، ندوات، مهرجانات، تكريمات، معارض الكتب، فنون تشكيلية) وكان تتويجها الاحتفال بيوم تأسيس وزارة الثقافة موجهة الشكر لكل من وقف في وجه ما يغزو ثقافتنا ويشوه حضارتنا ويعبث بآثارنا، ولفتت إلى أن الإحصائيات  التي نعمل على جمعها من غير جهة ثقافية تنبئ أن ثقافتنا تغري بالتفاؤل، ولكن السؤال: هل غادرت أًداء هذه النشاطات في جزء كبير منها جدران المكان الذي أقيمت فيه، وهل ترجمت سلوكاً وعملاً وإنتاجاً على مساحات الواقع، وهل استطاعت أن تجمع عرى نفوس مزقتها الحرب، وهل استطاعت أن تصل حبالاً من الود انقطعت بين أفراد الشعب الواحد، مؤكدة أن المؤسسات الثقافية والتعليمية والمثقفون معنيون بتحويل الثقافة من إطارها  الضيق إلى سلوك وقيم تعم المجتمع، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة من المثقف والعمل على أن تتجه الثقافة نحو المواطن وقضاياه، وطرحها والتفاعل معها بدل أن نصم أذانه بشعارات لا تغني من جوع.

ما هو المطلوب
وشددت دعبول على أن ما ننشده من تغيير لا يمكن أن يتم إلا بوجود ثقافة تصنع مجتمعاً وتحرك الخطاب الأدبي والفكري والفني، فالاعتماد على مجرد الأرقام والإحصاءات في عدد المهرجانات والمحاضرات والملتقيات غير كافٍ، لأن هناك كثيراً من الكتب تطبع ولكن لاتقرأ، وهناك مسارح بلا مسرحيات جادة تجذب الجمهور، ومتاحف بلا زوار، ومعارض تبحث عن متذوقين للجمال نراها خالية إلا من الشخصيات الرسمية التي تؤدي واجبها وتخرج، وهذا يضعنا أمام وضع غير صحي، والمطلوب تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والثقافية وصناع الفكر لتحويل الثقافة إلى سلوك مجتمعي منفتح على الآخر ومتشبع بقيم المحبة والتعايش، فإذا لم تجمعنا الثقافة التي ننتمي إليها  فلماذا نطلق الشعارات، مبينة أن ما نسعى إليه ربما أبعد ما يتبادر إلى الذهن، فنحن لانريدها ثقافة معلبة ضمن إطار، ولا حبيسة  الكتب والموسوعات، فما نبحث عنه هو ثقافة من نوع آخر تشكل مجتمعاً وتسهم ببنائه متماسكاً يساند بعضه بعضاً، نريد ثقافة فاعلة تبني إنساناً قوياً تصقل أفكاره وتحصنه بثقافة المحبة وقبول الآخر، وتساهم في بناء جيل الغد المتسلح بالعلم والمعرفة.
لوردا فوزي