ثقافة

الرواية النسوية العربية “على قيد الحياة”

هاري بوتر، الغسق، ومباريات الجوع، ثلاثة أفلام بأجزاء متعددة وصلت لأنظار ومسامع الملايين في كافة أصقاع الأرض، أفلام حطمت إيرادات شبابيك التذاكر العالمية، وحصدت الجوائز، وإعجاب واهتمام الكثير والكثير حول العالم.

وإذا بحثنا عن القاسم المشترك لهذه الأفلام الثلاثة بالإضافة لكونها جميعها رواياتٍ حوّلت لأفلام ساحقة النجاح، فإن هذه الأفلام كتبت بقلمٍ نسائي لروائيات كسرن طوق المحظور، وهيمنّ على تاريخ السينما وتربعن على عرش الرواية الشعبية لسنوات طويلة لم تنته بعد.

إن هذه الروايات وما تضمنته من سحرٍ وخيال ولا منطق تعكس فيما تعكسه المكانة والمستوى الذي وصلت إليه الكتابة النسوية في تلك البلاد، هذه الكتابة التي خرجت من دائرة المطالبة بالحقوق الأساسية بحدها الأدنى للمرأة، وتمردت على تلك النمطية المخزية التي تعرّي الحرف، وتؤسس لجندريته من خلال تذكيره وتأنيثه، وهي بذلك حققت لهؤلاء الأديبات وللكتابة بشكل عام نصراً لا يدانيه نصر بأن أخرجت رواياتهن ومن ورائها الفكرة الناجحة من سيطرة ووهم الأسماء البراقة، وانتصرت للتجارب الجديدة التي أحبها الجمهور وأقبل عليها وحولها بفعل اهتمامه لأعمالٍ ستظل علامة فارقة في تاريخ الأدب والسينما لسنواتٍ طويلة.

ما قادني إلى هذا الحديث ليس أولئك الروائيات اللواتي هن بالأساس أمثلة لأسماء أدبية كثيرة لا يسعنا الحديث عنها، ولسنا في معرض ذكرها لأنها ليست بحاجة لكتابتنا أو استعراضنا لتُبرهن على نجاحها.

إن مايعنيني ويعني المهتمين معي هو الرواية النسوية العربية والتي لا زالت خجولة وضعيفة وهي التي تحتاج منا الذكر والاهتمام.

ماتزال تلك الكتابة تناضل وتحاول أن تلتقط أنفاسها، لتُمنح الحق في الحياة وتنجو من التغييب والتهميش، لازالت الأقلام النسائية العربية في طور المطالبة بالحقوق البديهية، ومحاولة الخروج من العباءة الذكورية الأدبية التي فرضتها قوانين المجتمع اللاإنساني، لا زالت كلماتها مقهورة، وحكاياتها منقوصة، وآهاتها مكبوتة، لا زالت حناجرها ملتهبة وأصواتها مخنوقة، وأي محاولة لرسم خطًّ جديد للحياة فاشلة.

وتستمر هذه الأقلام بالكفاح، تصارع الموت وتلهث في محاولة النجاة، وبدلاً من أن تبتكر وتتخيل فهي إما أن تنكسر وتموت أو يجف حبرها قبل المحاولة، أو تحيا لتموت، ثم تعود لتموت ألف ميتة قبل أن تسلّم أوراقها وتأخذ أوراقهم وتكتب مايريدون.

الوهم، الحبّ، الضياع، الموت، الحياة ببساطتها الهجومية هو كل ماتسعى إليه هذه الأديبات أو بالأحرى مايسعى إليه الذين يريدون أن يقرؤوا الضعف والعجز والاستسلام في رواياتهن تماماً كما هي حياتنا.

في الواقع إنها كتابات تحاول أن  تنجو بنفسها من الموت كنساء شرقنا الكئيب، تريد فقط أن تشرق عليها شمس اليوم التالي حتى لو اضطر ذلك صائغاتها إلى الموت الحي وتعطيل خيالهم، وتسليم أسلحة حربهم،  وجرهم بالنهاية إلى الكتابة عن الحب، الذي يجتاح هذه الكتابة النسوية العربية يغرقها، ويفرغها من كل مضامينها، ويقولبها في قالب تسويقي جماهيري أبعد ما يكون عن الواقع الحقيقي حيث الحب يعد مطلباً ثانوياً أو حتى أدنى في بيئة متخبطة كالبيئة التي نعيش فيها والتي تنمو فيها أوراقنا.

إن عبارات وصفحات الحب هذه تزيد من سعر الكتب والروايات، ومعه تضعف قيمة هذه الأقلام التي رفضت أن تنصاع للواقع الذي تعيشه المرأة العربية بشكل عام في منطقتنا، وبدلاً من أن تنكسر وتكتب عن الحرية والحق والمساواة هربت للحب، لشيءٍ يبدو أمام حق الحياة ودموع آلاف النساء المهمشات اللواتي يعشن من قلة الموت شيئاً لا يستحق الذكر.. فما الحب دون مساواة..!؟  دون وطن لا يخذلنا..!؟  دون مجتمع لا يرفضنا..!؟  وتستمر الرواية النسوية في بلادنا تصرخ لأي ذنبٍ وئدت!!؟ وهي التي تكتب بأبجدية 28 حرفاً وأبجد هوز ذاتها التي يكتب بها القلم الذكري!.

ومع هذا تبدو هذه الرواية منقوصة، ميتة، هزيلة، تبدو مؤلمة لدرجة الواقعية وواقعية لدرجة اليأس.. إنها تصارع.. ولا عجب فهي كنساء مشرقنا حزينة ولا تزال هي النائبة والمصيبة، وهذا القلم الذي في يدها يحاولون أن يغتصبوه تماماً كما يحاولون اغتصاب واقعها، أحلامها، طموحاتها، تمردها، حياءها، جديلتها.

يحاولون فقط أن يجعلوا رواياتها تنسيق حروفٍ تماماً كما يعتبرون حياتها تحصيل حاصل يتمنون الحد منه.

ربما قرأنا لكاثرين هاردويك وايزابيل الليندي وحلقنا فرحاً بخيالهن، وتساءلنا أين الكتابات العربية من هؤلاء.!؟  الحقيقة المؤلمة أن المشكلة ليست في القلم ولا في الورق فأنا متأكدة لو أن واحدة من أمثال هؤلاء الروائيات ولدت في بقعة من بقاع هذا الشرق  لكانت في أفضل أحوالها كاتبة زاوية في مجلة ما، تكتب عن هموم المرأة، وحقوقها الطبيعية كحق التنفس أو كحق أن تطبخ ما تشاء، أو لكانت في أفضل الأحوال مؤلفة رواية حبّ كاذب، ملتهبة الوصف والكلمات كتعويضٍ عن نقص الحب والحياة والأمل في مجتمعاتنا..

فالمشكلة إذاً ليست في خيالنا ولا نسائنا.. إنه الواقع الذي يكبل هذه الأقلام فيجعلها تنتحب بين أيدينا وتبكي دماً.. ويصرخ فينا محموماً أن كفوا عن الخيال.. ألا يكفي رواياتكن أنها لا زالت على قيد الحياة..

بثينة أكرم قاسم