هي الشام أميرة العواصم
الشام المحروسة والمحمية بإذن الله، هي أميرة العواصم العربية بامتياز، وهي سيدة الحضارة والنبل والطهارة، وهي أقدم العواصم المأهولة في تاريخ البشرية، هي سجادة اللقيا نحو وجه الله، وأيقونة لصليب الخلاص، وحضن دافئ وآمن لمن هدَّه قهر الحياة وقسوة الزمان، شمعة تنير عتمة دروب الغرباء والساعين للصلاة على عتبة بواباتها لاستنشاق عطر ياسمينها.. هي أميرة البياض الذي منحها إياه الله، ومن بعده أنبياؤه ورسله وطهر ملائكته.
هي الشام التي فتحت أبوابها لكل العرب الذين حين جار عليهم الزمان وويلات الحروب والدمار، كانت الشام هي أول العواصم العربية التي احتضنتهم بكلّ طيبة ومحبة وإنسانية، وعاشوا معنا أشقاء، ولم نتعامل معهم كغرباء. هذه هي الشام رمز العروبة والمحبة والتآخي والسلام. تغنّى بها كبار الشعراء والأدباء من كافة الدول العربية، منذ الزمن القديم حتى يومنا هذا، احتضنت مئات من القامات الشعرية والإبداعية العربية وبادلتهم الحبَّ بالحب والحنين بذات الحنين، ودثر ترابها الطاهر بعض من غيب الموت أجسادهم عنا.. العديد منها أقام في الشام، منهم: عبد الرحمن منيف وغالب هلسا اللذين توفيا فيها، كما أقام فيها لفترات متقطعة الفلسطيني الرائع محمود درويش، كذلك الشاعر اليمني عبد الله البردوني، والشعراء العراقيون الذين أقاموا فيها وتوفاهم الله فيها ودفنوا فيها مثل: محمد مهدي الجواهري، وعبد الوهاب البياتي، وآدم حاتم، وغيرهم.. الشاعر العراقي الكبير «مظفر النواب»، بعد أن جرب العديد من البلدان والعواصم، قرَّر، ومنذ سنوات بعيدة، أن يقيم في الشام التي أحبته مثلما أحبها، ومع مرور السنوات الأولى للحرب القذرة على بلدنا الحبيب سورية, قرأت له نصاً أدبياً نشره في ملحق السفير العربي، الصادر عن جريدة السفير اللبنانية بعنوان: “إنها دمشق” سأختار لكم بعضاً من المقاطع، يقول الشاعر النواب: “شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاظ”..
– “إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبياً، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على أبوابها”.
– “إنها دمشق، أيها العرب العاربة والمستعربة، قبلة سياحكم ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلاً واعتمر دشداشة، ولا تعترف إلا بشيخها محيي الدين بن عربي، هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته حياً من أحيائها، فغنّى لها: كل ما لايؤنث لايعول عليه».
– “إنها دمشق…، دمَّر هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرَّر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق.. “دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين. في أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبالة”. دمشق لا تقسم إلى محورين؛ فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولاهي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين.. دمشق مكان واحد، فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة، وإن أضعت طريق الجامع الأموي فستدلك عليه “كنيسة السيدة”.
هذا بعض ما قاله الشاعر مظفر النواب، حاولت نقله إليكم، قد أكون وفقت به، حيث يقول أبو تمام الطائي: “اختيار المرء دليل عقله”.
أحمد عساف