ثقافة

“جيران”.. فيروز ليست للترويج السياحي

 

 

 

 

 

 

 

في مسلسل جيران إخراج عامر فهد وسيناريو ومعالجة درامية لـ حازم سليمان، مع ورشة كتابة (سيف حامد، معن سقباني، مصطفى مانص، شادي كيوان”وفي الدقيقة 17 من الحلقة الأولى تسمع أغنية للسيدة فيروز “نحنا والقمر جيران” فهل قام صناع العمل بهذا الإجراء من تلقاء أنفسهم؟ أم أنهم حصلوا على حقوق استخدام الأغنية من السيدة فيروز أو القائمين على شؤونها القانونية؟ في الحالتين يجب أن نعلم، لأن فن المطربة فيروز، ومن يقف خلفه من ملحنين كـ(عاصي الرحباني وفيلمون وهبي وزكي ناصيف)، وشعراء ك (سعيد عقل، جوزيف حرب، وطلال حيدر) يعني لنا أكثر من مغنية وأغان، إنه تراث قومي ووطني، وقيمة فنية وتراثية وأدبية عالية.

 

فيروز التي غنت لدمشق “يا قمر مشغرة” القصيدة التي ألفها فخر الدين المعني، رمز المقاومة في وجه الاستعمار العثماني البائد، والتي لجمالها وتأثيرها، تم اعتمادها كإشارة وأمر عمليات، لبدء “حرب تشرين” هذه الإنسانة مقدسة عندنا وليست مشاعا لجماعة البزنس الفني، كي يستخدمونها في مسلسل كالآنف ذكره.

 

فالمسلسل، والذي هو في طبيعته تقليد لسلسلة “فريندز” الأمريكية الشهيرة، مع تعديلات طفيفة تحاول أن تضيف على النسخة الأصل، وهذه التعديلات هي السر في فشل هذه النسخة المشوهة، فقد قاموا، بفصل الجنسين في شقتين، فالاختلاط الدرامي ممنوع هناك في الإمارات، أما الاختلاط الواقعي فحدث ولا حرج، ومن تلك التعديلات أيضا، إظهار مشاهد خارجية لأبراج وطرقات وحدائق الأمارات، شخصية لا تتوقف عن وصف البيتزا الشهية لأصدقائها، وشخصية أخرى لديها “بارانويا” تهرب من وجه شخصية أخرى لأنه يريد أن يسألها سؤالا ما، أما التعديل الثالث عن مسلسل “فريندز” فهو جعل الشخصيات تعاني من مشاكل نفسية، فالمسلسل يناسب كوميديا أطفال وليس كوميديا بالغين، ماذا يبقى من المسلسل في الفرق غير المقصود وربما المقصود، في “فريندز” الشباب والفتيات في مكان واحد، يعيشون بشكل طبيعي، دون أن نشعر أنهما جنسين، أما في هذه التحفة مسلسل “جيران” فهناك فصل بين الجنسين كل في شقة مجاورة للأخرى، فلا ينفك ذهن المشاهد عن توقع اختلاط ما في لحظة ما، أو هجوم واقتحام، إذا كان المشاهد من تلك البلاد، سيما وأن الممثلات يرتدين ملابس ملونة، مشدودة على الجسم، مما يجعل العمل ليس عن زمالة وجيرة، بل فرجة على فتيات وشباب يتجاورون ويلقون نكات مضجرة.

 

مقولة هذا العمل الأساسية هي: انظروا ما أجمل الأمارات بطريقة تقترب من الترويج السياحي، وأيضا انظروا ما أجمل الفتيات هنا، الذي يشكل المحور الخاص بهن ما يقترب من مسلسل “صبايا”، وما سبق يمكن توصيفه بالتوليفة من أجل الترويج السياحي، وفي مثل هذا الموضوع، لا يجوز أن تُسمع فيروز!!لو كان الترويج السياحي للآثار أو لقيم ثقافية، قد يجوز تصدير فيروز إلى بلاد غريبة، أما إذا كان للترويج من نوع اللقطة الافتتاحية التي تظهر الممثل “أحمد الأحمد” فيرى فتاة يتبعها فورا، مثل هذا النوع من البرامج السياحية، هو ما يجب أن لا تُسمع معه صاحبة الصوت الذي نحبه جميعا، هذا ليس مسلسلا دراميا وليس فنا، هل نريد أن نضحك على بعضنا يا شركة “كلاكيت”، هذا إعلان سياحي مدته 30 حلقة، يتخلله  بعض الشخصيات والحوارات الركيكة، والمحاولات الفاشلة للإضحاك، لكن واحدة من مقولاته الخطيرة هي: تعالوا أيها السوريون والمصريون والتونسيون واللبنانيون إلى وطنكم البديل الجديد، فقصصكم أصبحت تروى على ضفاف الخليج!، وهذا يعني “ترانسفير” فني يتبعه عادة “ترانسفير” واقعي.

 

استخدام صوت فيروز في عمل من هذا المستوى، بالتأكيد سوف يضيف عليه مزيدا من الشرعية، وليست هنا المشكلة، إذ لطالما فعلت فيروز ذلك مع القيم النبيلة، المشكلة أن القيم التي يتبناها العمل ليست نبيلة، فيؤدي ظهور صوتها فيه، إلى انحطاط “معاذ الله” في قيمتها، وهذا أمر مستفز كثيرا لمحبي وعشاق فن فيروز، وما تعنيه لهم هذه السيدة النبيلة.

 

 

تمّام علي بركات