الأم.. محاكاة سيّئة أم أيقونة خالدة
وُصف بأنه أكثر الأفلام غرابة في تاريخ الإنتاجات السينمائية الهوليودية لكبرى شركات الإنتاج “Paramount Pictures”، وتباينت الأقوال حوله حتى وصل الأمر بنعته بالمثير للاشمئزاز والجنون، فيما بالغ كثيرون باعتباره تحفة فنية لا يجوز ألّا تتواجد في مكتبات كل محب للفن السابع.. إنه “Mother/الأم” الفيلم الجدلي الأقوى للعام 2017.
كأنه مسرحية تحكي قصّة الخلق بفلسفة غريبة، كتبه وأخرجه توءم الغموض والمخرج غير الطبيعي “دارين أرونوفسكي”، والذي عرف بأفلامه الغريبة لكن المميزة كـ “The Fountain” و”Pi”، ومن بطولة عدد من النجوم كصديقة المخرج جنيفر لورانس، ربة المنزل الضعيفة والخجولة والتي ترغب في أن يكون لها طفل من زوجها الممثل المخضرم خافيير باردم، الكاتب المشهود له، تُقلب حياتهما الهادئة رأساً على عقب عند قدوم ضيفٍ (إد هاريس) وزوجته (ميشيل فايفر)، ويصنف ضمن فئة أفلام الرعب النفسي.
الحكاية
يمكن تقسيم الفيلم إلى جزأين، يتمحور الأول حول التعريف بالقصة، يثير الفضول لمعرفة النهاية دون إمتاع، أما الثاني فهو المشهد الختامي الذي أثار زوبعة من التأويل والمشاعر الغريبة.
يبدأ الفيلم بمشهد منزلٍ ريفيٍّ محترق تمام، بينما يقف “him/هو” (باردم) ممسكاً جوهرة يضعها على حاملٍ، ليعود البيت إلى سابق عهده جميلاً أنيقاً تحيطه الخضرة بكل الاتجاهات، لتظهر الأم (لورنس) وتَتَتابع الأحداث ليتعكر صفو حياة هذين الزوجين بقدوم زائر لا يعرفانه مساء ودون موعد، يرحب به هِم، على عكس زوجته وفي اليوم التالي تأتي زوجة الضيف ليلحق بها ابناهما لتبدأ المشاكل، وينتهي الفيلم بموت الأم واحتراق المنزل من جديد ويقوم هِم بإخراج قلب زوجته من جسدها المحروق ليتحول القلب إلى جوهرة تعيد المنزل إلى حلّته عند وضعها على الحامل، وكأننا في حلقة تعيد تكرار نفسها.
إسقاطات
لا يخفى على أيّ متابعٍ أن الفيلم هو إسقاط لقصة التكوين ودورة الحياة، ويبدو من نصّه اطلاع أرونوفسكي على الكتب السماوية وبخاصة العهد القديم..
عدم تسمية الزوج والإشارة إليه بصيغة الغائب دائماً him”/هو” وهي صيغة تستخدم أدبياً عند الحديث عن أشخاص مقدسين، توحي لنا بأن الحديث هنا عن الخالق، فهو الشاعر الذي لا تضاهى كلماته، حليم صبور يغفر بشكل غريب كل ما يحدث حوله، تمثل أشعاره الكتب المقدسة. أما الأم فتمثل الطبيعة والمنزل الذي لا تغادره أبداً الجنّة، لكن إظهار حاجة هِم إلى الطبيعة الأم خروج عن المألوف وإضافة غريبة لا داعٍ لها.
وهناك مشهد الضيف الذي يمرض ويظهر فيه جرح في الجهة اليمنى لصدره، يتبع مشهد قدوم زوجة الضيف، وكأنها إشارة لخلق حواء من ضلع آدم، إضافة إلى التعريف عنهما بـ الرجل والمرأة. ويذكرنا على الفور مشهد الصراع بين ابني الضيفين ومقتل أحدهما بقتل قابيل لأخيه هابيل.
يسود الهدوء بالمنزل طوال 9 أشهر تلد بعدها الأم مولودها الذي يقتل على يد محبوّ هِم الذين لبوا دعوته لرؤية الطفل على الرغم من اعتراض الأم. لتبدأ النهاية الفوضوية، يتقاتل فيها الناس فيما بينهم لنظنّ بأن المخرج جنّ جنونه قافزاً بالفيلم من الغرابة إلى الجنون، لكنه حقيقة يحاكي ما حدث ويحدث في التاريخ البشري، لنصل إلى المشهد الختامي بعودة الحياة إلى المنزل بعد احتراقه بمن فيه إلا هِم وكأنها القيامة.
وكان أرونوفسكي قد قال إن الإلهام دفعه لكتابة الفيلم بخمسة أيام كما لو أنّه كان يحلم، وهو أسرع وقت يكتب فيه عمل في حياته، وأنه أراد أن ينجز فيلماً يثير الجدل، وإن الصناعة السينمائية رحلة صعبة جداً.
وقد يجد البعض تشابهاً من وراء المنشورات الإعلانية بين هذا الفيلم وفيلم الرعب والدراما الشهير “Rosemary’s Baby /طفل روز ماري” للمخرج رومان بولانسكي، الذي تدور فكرته حول الحمل والأمومة والمولود الجديد.
وبغض النظر عن كم النقاشات والانتقادات الهائلة التي اكتنفت عرض الفيلم، نجح أرونوفسكي بخلق فيلمٍ نادراً ما نرى مثله في عصر السينما الحالية.
سامر الخيّر