رصاصة أو ضحكة طائشة..!
أتبعه بدافع الفضول.. الفضول فقط.. هو رفيق بموعد ولكن بلا وعد.. يجمعنا مشوار الرياضة الصباحية.. تنتظره دقات ساعتي وتتبعه خطواتي.. نتشابه بالكثير من الأشياء ولكن ليس لدي قدرة على تسميتها، وعلى الأغلب لا أعرف ما هي.. لكننا على الأكيد متشابهان.. ربما لسان حاله المتعب يقول ما أفكر به تقريباً.. ربما لا أدري ..!!
أمشي كل يوم ساعتين على الكورنيش لم تخترقني رصاصة ولا حتى ضحكة طائشة، لا طعنة غادرة تأتيني من الخلف، ولا سيارة متهورة تصعد إلى الرصيف لتجتثني من أرضي، أو قاتل مأجور يقترب مني ويهديني رسالة من مجهول ويسدد إلى جبهتي رصاصة مكتومة.. أليس في هذه المدينة حدث ما يجعلني التفت بكل قواي إلى الخلف..
في هذه المدينة يمر الوقت بلا روح.. كل شيء بارد هادئ كمنزل أعزل أصم..! يأخذ مقعده الإسمنتي ليستريح ويجمع قواه من جديد.. أتعب لتعبه وآخذ المقعد الوحيد الآخر بجانبه.. ما يفصلنا عن بعض فقط ذاك الحديث الطويل.
تنفرج شفتاه عن ابتسامة هانئة صغيرة كبرعم لتخبرني بأن لست طالباً الموت، لكني لا أعلم كيف أخرج كل صباح ومساء علّي أصادفه ثم أتجنبه وأهرب منه برشاقة راقص باليه، أو ذكاء ضابط مسرّح. لكن ما أنا فاعل لا أدري..! أريد أن يكون لي بطولات مضخمة أرويها لأولاد الحارة بعد التقاعد الذي ينتظرني.. جلّ ما أصنعه بما تبقى من وقت أسابق الريح فقط.. يخذلني جسدي فيختل توازني على بعد غصة ونصف من العمر، فأجدني مرمياً على أحد المقاعد وكلما اختفت قطة من المدينة أصبح على قائمة المطلوبين للاشتباه..
يمشي فأمشي.. كلانا لا يصطدم إلا بالمستحيلات.. طرقنا معبدة بجنون البشر والحرب.. وقصص وحكايات تروى بلا أي حرف يقال.. الحرب والظلم والخذلان أثقال تدفعني أحيانا أن أرمي رأسي بكل ما فيه في سلة المهملات.
يعود للبيت فأعود أنا أيضاً، وكم من مرة دعوته في خيالي لنحتسي معاً الشاي.. أصل البيت رغماً عني ولا أتوقف عن الخيال.. أتمسك بأمل أن يحدث أمر خارج ما هو مكتوب في خطوط الكف أو الفنجان. كم مؤسف أني سأفتح الباب بعد قليل ولن أجد ما هو جدير بالحياة.. لا أحد ينتظر من الأصحاب، ولا حتى سارق خانه الوقت وصادفته هناك.. أو أي حدث يؤخرني عن النوم في وقتي المعتاد أو يمنعني من الاستيقاظ على ذات رشقات الرصاص التي تخترق بكر صباحاتنا منذ أعوام.. فقط لو يحدث أمر واحد.. لمرة واحدة.. ضحكة طائشة.. تهمة حب ملفقة.. صوت عصفور ينتحر على حافة الشباك.. أو موت يطرق الباب على عجل فأهرب كأرنب من الشباك.. هذا ما أتخيله وأتمناه، وربما مثل فعلي فعله ويلي من الأحمقين..!!
لينا أحمد نبيعة