أيام الثقافة الهندية في دار الأوبرا
رقصة القدور السبعة على الرأس، المتوضعة بشكل يشبه الهرم، كانت الرقصة الأكثر إبداعاً ومهارة وإثارة لدى جمهور الأوبرا، في الأمسية الرائعة التي قدمتها وزارة الثقافة بالتعاون مع سفارة جمهورية الهند للرقص الشعبي –راجستاني- والموسيقا الغنائية بمشاركة فرقة صادق خان لانغا بقيادته وغنائه. وتأتي هذه الأمسية ضمن فعاليات عدة تقيمها وزارة الثقافة للانفتاح على ثقافة الآخر وتعريف الجمهور السوري بها، لاسيما أن الموسيقا لغة عالمية تحمل كل معاني الحبّ والسلام والجمال وتتجاوز حدود الزمان والمكان.
قدمت الفرقة المكونة من سبعة عازفين وثلاث راقصات مجموعة رقصات فلكلورية تمثل جزءاً من الرقص الشعبي المتشعب والغني والذي يتبع للولايات والمناطق، ويعد أحد المظاهر الاحتفالية المرتبطة بمناسبات شعبية مثل رقص غومارم من مدينة أوايبور، ورقص كلبليا من مدينة جايسالمر، إضافة إلى الكثير من الرقصات مثل البوبا وتشانغ وتيجاجي وغيرها.
المحور الأساسي الذي تقوم عليه موسيقا الراجستاني هي اللحن الإيقاعي لآلات تشبه الطبول الصغيرة، والاعتماد الأكبر على آلة المؤثرات الصوتية المستخدمة بالأصابع والتي تشبه إلى حدّ ما الآلة المستخدمة برقص الفلامنكو، وقد أبدى العازف مهارة فائقة في تفاعله الكامل بحركة الأكتاف والأيدي والأصابع مما أوحى بتوحده مع اللحن الإيقاعي إلى درجة لافتة، يترافق الإيقاع مع الخط اللحني الثاني بآلة تشبه الناي كان لها حضور واضح خاصة في المقدمة الموسيقية مع آلة وترية تجمع بين خصائص الكمان والتشيللو، وآلة أرضية تشبه الأكورديون بنغماتها ( دهولاك، هارمونيم، سارانجي، خارتال، ألغوجا، مورتشانغ، كاتشي غوري، بهاواي، وسيوف غير حادة).
تقاطعات غنائية
من حيث الغناء نلمح تقاطعات مع الغناء الشرقي من حيث الموال الذي يستهل به المغني الأغنية معتمداً على الارتجالات الغنائية، إضافة إلى الترنيمات الصوتية وما يشبه تقنية الترجيف الصوتي المتبعة بالغناء الكلاسيكي، ضمن إطار غناء “جوغال باندي” وفي أغنيات ارتبطت بآلات معينة مع خارتال ودهولاك وهارمونيم، وفي أغنيات ارتبط الغناء مع ألغوجا ودهولاك، وأخرى مع موتشانغ ودهولاك.
والسمة المميزة للفرقة ضمن التراث الهندي هي الجلوس على الأرض والغناء بوضعية الجلوس ليتقاطع بنوع ما مع التراث العربي القديم.
وزاد من جمالية الرقصات الأزياء الملونة بألوان مستمدة من الطبيعة والموحية بالمياه والشجر والورود، وهذا يتبع تقاليد الرقص الراجستاني مع الاعتماد على البهرجة والإكسسوارت المثيرة التي تصدر صوتاً وتساعد الراقصة بالتأثير على الجمهور، إذ قدمت الراقصات رقصات ثلاثية وثنائية وفردية استحوذت على اهتمام الجمهور لمهارتها، منها رقصة الفتاة والقدور السبعة وتعود إلى رقص بهاواي بدأت فيها الراقصة بخطوات مدروسة تناغمت مع اللحن الإيقاعي، ثم تفاعلت بحركات سريعة جداً بوسط الجسد مع القدور، لتغير من مسار الرقصة بالرقص مع السيف الخشبي ومن ثم بالرقص فوق القماش الأزرق، لكن الأكثر مهارة وبراعة برقصها على الصحن المعدني بوضع قدميها على طرفي الصحن ومتابعة الرقصة إلى أن نهتها بالتخلي عن القدور وتحية الجمهور بالدوران السريع.
تبعتها رقصة” الفتاتان ودمية الحصان” وهي الرقصة التي ترمز إلى رجل وامرأتين بدا فيها الامتداد اللحني بشكل أوسع وبنغمات فرحة وبراقة تلاقت مع حركات موحية لمرافقة الرجل، واختُتمت برقصة” كلبليا” وهي رقصة عالمية أدتها الراقصات الثلاث وتميّزت بالرقص على الأرض والتركيز على حركات الأيدي والقسم العلوي من الجسد.
تقاطعات من التراث الإنساني
وأوضح د. علي المبيض معاون وزير الثقافة بأن وزارة الثقافة تهدف إلى اطلاع المتلقي السوري على ثقافة الشعوب الصديقة، من خلال تعاون ثقافي وبرنامج تنفيذي بغية العمل على توسيع دائرة العمق الموسيقي، وِالأمسية الهندية اليوم استعرضت بعض الرقصات مثل رقصة ” فتاتان ودمية حصان” التي ترمز إلى امرأتين ورجل، وهي رقصة متميزة، وجدتُ تقارباً ما بينها وبين التراث السوري والإنساني عامة، إضافة إلى الأغاني التراثية والملفت الحضور الجماهيري الكبير الذي أقبل لمتابعة الموسيقا الهندية التي انتشرت من خلال الأفلام الهندية، وتميزت ببصمة تميزها عن سائر موسيقا الشعوب بإيقاعها الخاص التي تعكس شيئاً من التراث اللامادي الهندي والمحافظة على التراث اللامادي واجب وطني وضرورة لكل شعب لأنه يحفظ هويته وأصالته.
وأبدى العازف قيوم خان على آلتي كاتشي غوري ومازيرا سعادته بزيارة سورية منوّهاً إلى علاقات الصداقة بين البلدين وإلى الجماليات التي تجمع بين الشعبين والتي تختصر المسافات بينهما، وأشاد بالجمهور السوري الذي تفاعل مع الفرقة والرقصات بالتصفيق مما يدل على الحبّ الذي يكنّه الشعب السوري للشعب الهندي ولثقافته.
وتابعت الراقصة بوني التي قدمت رقصة الفتاة والقدور بأن هذه الرقصة صعبة جداً وتتطلب تدريباً طويلاً وأعجبت بالجمهور الذي تفاعل معها ووصفته باللطيف جداً.
وقد حضر الأمسية السفير الهندي في دمشق وأعضاء السفارة وعدداً من رجال السلك الدبلوماسي ومعاوني وزير الثقافة الأستاذ توفيق الإمام ود. علي المبيض.
ملده شويكاني