ارتباط المال العام بأموال الأحزاب السياسية
المحامي عمر تقي الدين
الأموال العامة هي الأموال العائدة للدولة. وتعد بحكم الأموال العامة الأموال العائدة للأحزاب السياسية المرخصة قانوناً والجمعيات التعاونية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية والأموال المودعة لدى أي من الجهات العامة. وهذا ما نصت عليه المادة الأولى الفقرة ج من القانون رقم 3 لعام 2013 (قانون العقوبات الاقتصادية)، بحيث يهدف هذا القانون إلى حماية الاقتصاد الوطني والمال العام وضمان السير الطبيعي للنشاط الاقتصادي كإظهار النزاهة والشفافية وسيادة القانون، فالتوجه الأول والرئيسي هو النهوض بالاقتصاد الوطني ومالية الدولة وحمايتها من الإهمال والاستهتار والاختلاس. وخصص المشرّع قوانين وأحكاماً ومواد لهذا الغرض فأصدر بعام 2013 القانون رقم /3/ المتضمن قانون العقوبات الاقتصادية بهدف مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية وحماية الاقتصاد الوطني والمال العام، ونصت المادة12 من قانون العقوبات الاقتصادية على أنه من قصّر في تزويد السلطات بالمعلومات والإحصاءات ونتائج البحوث والمخترعات التي حصل عليهما بحكم عمله في الدولة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تحسين وتطوير الإنتاج الوطني، وكذلك من قصّر في أعمال الإحصاء وجمع المعلومات الضرورية للتخطيط الاقتصادي السليم وحجبها أو عرقل وصولها إلى المراجع المختصة، يعاقب بالعقوبات التي نصت عليها المادة، ونصت المادة/8/ من نفس القانون أن من سرق أو اختلس الأموال أو أساء الائتمان عليها يعاقب بالسجن خمس سنوات على الأقل، وأن أي اعتداء بالسلب أو بالاغتصاب أو بالاختلاس للأموال العامة ومنها أموال الأحزاب السياسية يشكل جرماً يعاقب عليه بعقوبة جنائية. وغاية التشدد بهذه الأحكام هو جعل المال العام مالاً مقدساً كونه ملك جميع أفراد وطبقات المجتمع ويخدم ويبني الاقتصاد الوطني للنهوض بالدولة لأعلى مستويات الرقي والحضارة.
ونص القانون على اعتبار أموال الأحزاب السياسية أموالاً عامة ورسخ حمايتها وصيانتها انطلاقاً من قيمة هذه الأحزاب ودورها في الحفاظ على وحدة الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية، حيث نص قانون الأحزاب الصادر عن السيد الرئيس بالمرسوم التشريعي رقم /100/ لعام 2011 على التزام الحزب الذي يؤسس بالحفاظ على سلامة الحياة السياسية، فالحزب هو تنظيم سياسي يؤسس وفقاً لأحكام هذا القانون بهدف المساهمة في الحياة السياسية متخذاً الوسائل السلمية والديمقراطية لتحقيق ذلك، وكون الغاية من الأحزاب هي تنظيم المواطنين وتمثيلهم سياسياً، ومن خلال ذلك تعمل الأحزاب على تنمية الوعي السياسي بهدف تنشيط الحياة السياسية ومشاركة المواطنين فيها وتكوين قيادات قادرة على تحمل المسؤوليات العامة. وتمارس الأحزاب السياسية نشاطها بالوسائل السلمية والديمقراطية لتحقيق برامج تتعلق ليس فقط بالشؤون السياسية بل أيضاً بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وإن لكل حزب نظاماً مالياً منصوصاً عليه بالنظام الداخلي للحزب يتضمن الموارد والأموال، حيث لكل حزب موارده وأحكامه المالية، فالموارد التي تعتمد عليها الأحزاب هي من اشتراكات الأعضاء والإعانات المخصصة من الدولة وحصيلة عائد استثمار أموالها في المجالات غير التجارية التي يحددها النظام الداخلي، ولا يعد من الأوجه التجارية استثمار أموال الحزب في إصدار صحف واستثمار دور النشر والطباعة وإقامة مؤسسات تعليمية.
ويحق للأحزاب قبول الهبات والتبرعات من السوريين حصراً وبموجب شيك مصدق من المصارف العاملة في الدولة، وتعد أموال الحزب بحكم الأموال العامة، كما يعد القائمون على شؤون الحزب والعاملون فيه بحكم الموظفين العموميين. ونص قانون الأحزاب على أن مقرات الحزب ووثائقه ومراسلاته ووسائل اتصالاته مصونة، ولا يجوز مراجعتها أو تفتيشها أو مصادرتها إلا بقرار قضائي. وهنا نرى اتجاه المشرّع السوري والآراء السياسية إلى حماية أموال الأحزاب وممتلكاتها واعتبار الأحزاب السياسية المرخصة أصولاً أحد أهم عوامل نجاح الحياة السياسية.