المدار الأسود
حسن حميد
أكاد أدور حول نفسي كالخذرف حيرةً وعجباً من هذا الإعلام الناطق بالعربية، المقتحم لكل بيت ونفس وعقل وهو يباهي باصطفافه مع العدو سالب العافية، غاصب الأرض، قاتل الأجداد والآباء والأبناء، حاجب المستقبل، طاوي الأمنيات والأحلام! العدو الذي ما عاد بحاجة إلى شرح أو بيان وقد مدّ ذراعه لتأخذ العزيز من دون وجل أو تهيب أو خجل!
إعلام عربي موزّع على مواقع، ومحطات فضائية، وإذاعات بث، وصحف ومجلات، وتقارير إخبارية، واستطلاعات، ووثائق، يبرر للعدو قتلنا، وذبح أطفالنا، واغتصاب نسائنا، وسلبنا لكل ندي وغالٍ وجميل، ويباهي (بقوة العدو ومصداقيته وحرصه على الوفاء بما التزم به)! وهو يعي تماماً أن قوة العدو آتية من منافذ كثيرة وعديدة، ولعل من أهمها هذه اليد المعوان للإعلام المحسوب على العرب دولاً ومؤسسات الذي لا عمل له، في الليل والنهار، سوى تشويه صورة العرب، والحط من قدرهم، وإعلان موتهم، ونعي كفاءاتهم، والقول بخروجهم من التاريخ!
إن اصطفاف أطراف العداء إلى جوار بعضها بعضاً إسناداً ومؤازرة أمر جلي بادٍ ومنطقي لأن لهذه الأطراف غايات ومشاريع واحدة، أما أن يصير الإعلام الناطق بالعربية، وبنسبة 92% حليفاً للأعداء مناصراً لهم فهذا ليس من المنطق في شيء مع أنه جلي وبادٍ لكل من يمتلك عينين رائيتين!
أقول هذا، وأنا أكاد أمسك عقلي بيديّ الاثنتين غير مصدّق لما يقوله الإعلام الناطق بالعربية الآتي من بعض الدول العربية، وهو يعلق على أحداث إسقاط الطائرة الإسرائيلية (F16) فوق أراضي الجليل بصاروخ سوري بهّار أضاء فجر الجولان العزيز. إنهم يقولون في هذا الإعلام الشناءة إن الطائرة الإسرائيلية كانت في تمارين وطلعات عادية، وإن الصاروخ السوري تحرش بها فأسقطها، وإن سورية تريد تصعيد الموقف! لا يا أبناء الأفاعي، أيها السقط، أيها المجبولون بسفاهات الدولار والنفط.. ألا ترون سورية وبما هي شغول به منذ سبع سنوات ظالمات! ألستم إعلاميين، وأهل وثائق.. فتدركون أن تحرشات الكيان الصهيوني، العدو لنا جميعاً نحن والحضارة الإنسانية برمتها، كانت منذ عام 2013، وما زالت يدهم المعوان ممدودة لجرحى الإرهابيين معالجة واستطباباً كي يعودوا إلى مواجهاتهم العمياء الخرقاء مع أبنائنا في الجيش العربي السوري! ألستم إعلاميين، وتعرفون أن الكيان الصهيوني ومنذ عام 2011 وهو يمدّ الإرهابيين بكل المعلومات اللوجستية، وبكل أنواع الأسلحة والذخائر، وهو الذي يريد أن يقتطع لهم الجولان جيباً كذاك الذي كان لسعد حداد في الجنوب اللبناني! الذي صهرته إرادة المقاومة اللبنانية الباسلة بالعزة والإرادة الكاملتين! ألا تعون وأنتم طي ملفات الإعلام أن الكيان الصهيوني، ومنذ عام 1948 يعمل بكل ما يحمله من حقد وصلف على تدمير الجيش العربي السوري الذي يخشاه ويخافه ولاسيما بعد اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو! ثم ألا تدركون أن من حق سورية شعباً وقيادةً وجيشاً أن تدافع عن كرامتها وأنفتها وحضارتها وأبنائها ضد المخاطر الصهيونية! أليس هذا هو الحق الذي تتحيدونه! ثم أليس هذا الفعل الوطني الكبير، ردع العدو، مرآة كاشفة لما يجول في التفكير السوري أن فلسطين هي القضية الأولى، وأن الكيان الصهيوني هو العدو الأول! ترى، وقد توضّحت صورتكم أيها الإعلاميون المعوان للعدو، ألا تخجلون! ألا تتعلمون الخجل! أم أن الصفاقة أطبقت عليكم، وأن السفاهة صارت حياتكم، وأن الغشاوة، غشاوة المال، صارت عماء!
إن كنتم وصلتم إلى هذا الحد من التفاهة والنذالة.. فأنتم وإعلامكم الممجوج الكريه بصوره وكلامه وأنفاسه إلى جهنم وبئس المصير، لأن من خُلق للسفاهة والتفاهة والنذالة.. هذا هو مأواه، وهذا هو مداره الأسود.
!Hasanhamid55@yahoo.com