بقرة وجرار.. وديون بالملايين!
لو أردنا توصيف الواقع الزراعي في بلدنا بكلمة واحدة لاستخدمنا مصطلح (منكوب).. وإذا سمحنا لأنفسنا بتشخيص حياة الفلاح بكل تفاصيلها ووقائعها، فلن نخرج من دائرة وصفها “بالمطية” لركوب موجات الإنجاز الخلبي التي لم تندمل بعد أضرارها وتداعياتها المختلفة، وهنا نعتذر من الأخ الفلاح الذي نكنّ له كل الاحترام والتقدير على هذا التشبيه ولكنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها.. وطبعاً قد نتهم بالمبالغة والتهويل في وصف الحالة الفلاحية وبالنظرة السوداوية التشاؤمية التي قد تجرح أو تخدش كبرياء من اعتاد على التطبيل والتزمير ووأد آمال الفلاح وأحلامه تحت أنقاض وعوده المتراكمة في الأدراج، إلا أن ذلك أيضاً لن يشوه مصداقية الوصف الذي يمثل عين الحقيقة التي لن تغطى بغربال التصريحات الإعلامية المتتالية.
وللأسف أثبتت النتائج أن التعامل مع الفلاح يتم على قاعدة (صحيح لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكل لتشبع) ولسنا هنا بصدد توجيه الاتهامات أو النبش في مخلفات تلك القرارات الصورية بل نحاول زرع بذور الحقيقة إن صحت التسمية في ميادين العمل الزراعي التي ضربتها خلال الأيام الماضية زوبعة الأمراض الفتاكة بالأبقار المستوردة التي تجاوزت أسعار بيعها للفلاح المليون ليرة وبشروط مصرفية صعبة قد تنتزع في أي لحظة مسمار الأمان، فتحّول اليد الزراعية المنتجة إلى متسولة غير قادرة على العمل عدا المتاجرة بخسائرها في مسلسل الدعم الغائر في الجيوب الكبيرة التي لن تعرف الشبع في غياب المحاسبة والمساءلة.
وتتوالى الشواهد الحية على ذلك النزيف الزراعي الدائم بندوبه المختلفة وتداعياته الاقتصادية وخسائره سواء في ملف التصنيع الزراعي أو فيما يخص الإنتاج والتسويق وغيرها من القضايا الزراعية (الحمضيات والأقطان والأقماح والشوندر والأبقار المستوردة) والتي أبقت الفلاح وراء قضبان القروض والخسائر المتلاحقة وبشكل استنزفت معه مصادر رزقه وتمويله وبدلاً من تقديم دعم حقيقي له تتم عملية (إفقاره) ودفعه لهجرة أرضه بعكس ما هو متبع في كل دول العالم..
ولو سلمنا فرضاً بسلامة النوايا الحريصة على تقديم الدعم الزراعي من بعض أعضاء الأسرة الزراعية للفلاح سواءً لدعم قطيع الأبقار أو لدعم العمل الزراعي بالآلات الحديثة كالجرارات، فكيف يمكن تجاوز مشكلة ضعف القدرة الشرائية للفلاح خاصة أن أسعار الجرارات المستوردة تتراوح مابين 6.2 و8.2 ملايين ليرة للجرار؟. والسؤال الأهم لمصلحة من إغراق الفلاح في الديون المصرفية؟.
وبالمحصلة المسلسل الزراعي المكتنز بالشبهات والصفقات حوّل حياة الفلاح إلى بيئة استثماريه خصبة للمتاجرة بهمومه وأحواله.. فهل تنتهي حلقاته بقرارات صائبة بحيث تمد له يد العون أم يستمر سيناريو التنكيل بالأحلام تحت مظلة الأزمة وبتواقيع الأقلام الخضراء؟.
بشير فرزان