خرافة النظام الليبرالي العالمي
موقع غلوبال تايمز 11/1/2018
ترجمة: عناية ناصر
“تذكرني عبارة النظام الدولي بعبارة الحضارة الغربية”: أجاب أبو الاستقلال الهندي المهاتما غاندي بسخرية، عندما سئل عن الحضارة الغربية بقوله: “ستكون فكرة جيدة”.
تبدو فكرة وجود نظام دولي، أو عدم وجوده مثار تساؤل، فحتى مفهوم النظام الدولي الليبرالي هو أكثر إثارة للتساؤل، لأنه ليس ليبرالياً، ولا دولياً، ولا منظماً جداً، إذ غالباً ما يدعي علماء السياسة أن النظام الليبرالي العالمي خرج إلى حيز الوجود في عام 1945، وتقول هذه الذريعة: إن المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين، وبعد أن تعلّموا من الأخطاء الفادحة التي ارتكبوها في الثلاثينيات والأربعينات، قرروا إعادة صياغة العالم من جديد من خلال إنشاء مجموعة من المؤسسات الدولية البارزة، وهي الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وبعد ذلك البنك الدولي، ووفقاً لهذه الرواية، كان انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة بمثابة رمية مدمرة موجهة نحو النظام الدولي الليبرالي الذي أنشأه جيل 1945.
هذه قصة خيالية، وذلك لأمر واحد هو أنه لم يكن هناك شيء ليبرالي جداً في النظام الاقتصادي الذي أنشئ في عام 1945، إذ تم استنباطه من قبل بعض الخبراء، ولاسيما جون ماينارد كينز، الذي رفض الاقتصاد الليبرالي الكلاسيكي، واعتقد أن التجارة الدولية ينبغي أن تكون محدودة، وتحرك رأس المال المسيطر عليه.
كما أنه ليس نظاماً دولياً بالفعل، فبعد عام 1945 سرعان ما أصبح النظام ثنائي القطب، وأدى إلى تقسيم العالم، كما لم يكن هناك شيء دولي في الحرب الباردة، فقد كانت معركة بين امبراطوريتين وإيديولوجيتين، وعلى بقية دول العالم اختيار أحد الجانبين.
باختصار، إن مفهوم النظام الدولي الليبرالي الذي نشأ في عام 1945 هو خيال تاريخي، والواقع هو أنه في عام 1991 فقط عندما تفكك الاتحاد السوفييتي، وانتهت الحرب الباردة، كان من الممكن إنشاء نظام دولي ليبرالي، وحقيقة لم يبدأ عصر التجارة الحرة، وتدفقات رأس المال الحر، ولم تبدأ الهجرة واسعة النطاق عبر الحدود إلا في التسعينيات.
كان لعصر العولمة هذا سمتان مميزتان: أولاً، كان مفيداً للغاية للصين، وثانياً، تحملت الولايات المتحدة معظم أعباء الركود في النظام الدولي الليبرالي من الناحية العسكرية والبحرية، ولكي نفهم هذا النظام الدولي الليبرالي الأكثر حداثة، من المهم أن نشير إلى أمرين لا غنى عنهما، أولاً، كانت العلاقة الأكثر أهمية لتلك الفترة، من 1990 إلى 2008، هي العلاقة المتناغمة بين الصين وأمريكا “تشيمريكا”، والأمر الثاني الذي لا غنى عنه هو ما وصفه الكثيرون بالامبراطورية الأمريكية، على الرغم من أن الأمريكيين لديهم حساسية تجاه فكرة أنهم يديرون امبراطورية، رغم أن هذا هو ما يفعلون، بل إنهم يفعلون ذلك على نحو سيىء، على الأقل بالمقارنة مع نظرائهم البريطانيين.
لم تشكل “تشيمريكا” ولا الامبراطورية الأمريكية أسساً ثابتة للنظام الدولي الليبرالي، وما أنهى النظام الدولي الليبرالي ليس ترامب، بل كانت الأزمة المالية في عام 2008، وهي أكبر أزمة مالية منذ الأزمة التي بدأت في عام 1929، ولم تنته الأزمة المالية في عام 2008 بالركود، كما حدث في الثلاثينيات لسببين، هما الجهود الإبداعية غير العادية للبنوك المركزية الغربية، وضخامة برنامج التحفيز الاقتصادي الذي أدارته الحكومة الصينية، وبدونهما، لربما كان عام 2010 مثل الثلاثينيات.
غير أن هذه التدابير لم تكن كافية للحفاظ على النظام الدولي الليبرالي. فخلال فترة رئاسة باراك أوباما، أصبح الناخبون الأمريكيون متشككين بشكل متزايد في فوائد التجارة الحرة، وأسواق رأس المال الحرة، والهجرة الحرة. كانت هذه العملية جارية حتى قبل أن يصبح ترامب مرشحاً للرئاسة، لكن ترامب استطاع أن يعبّر عن خيبة الأمل الشعبية إزاء العولمة أكثر من أي رئيس آخر.
كانت حملة ترامب في عام 2016 هجوماً شاملاً على “تشيمريكا”، ووجه اللوم بشكل متكرر إلى الصين بسبب العجز التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وكذلك إلى التجارة الحرة بشكل عام، ورداً على هذا التغيير الأمريكي المفاجئ، وضعت الصين رؤية بديلة للنظام الدولي، وأكثر وضوحاً عندما طرح الرئيس شي جين بينغ قضية العولمة في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2017 في دافوس.
ماذا سيأتي بعد ذلك؟ هناك سيناريوهان محتملان: أحدهما أن تتصادم الصين والولايات المتحدة حول القضايا التجارية والجيوسياسية وتقعا في “فخ ثوسيديدس” الذي كتبه غراهام أليسون في كتابه “الاستعداد للحرب”، والخيار الآخر – البديل المفضل على نحو كبير- وهو أن تعترف الصين والولايات المتحدة بمصالحهما المشتركة كقوى كبرى تواجه تهديدات متعددة، مثل الإرهاب، وانتشار الأسلحة النووية، والحرب السيبرانية، وتغير المناخ، لكنهما لن تكونا قادرتين على القيام بذلك كفريق مكون من اثنين، وستحتاجان إلى دعم القوى العظمى الأخرى التي تمثل أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولعل من أهم القضايا الرئيسية للسنوات العشر القادمة هي ما إذا كان يمكن إقناع روسيا بالتعاون مع القوى العظمى الأخرى.