دراساتصحيفة البعث

كيف ستتصدى روسيا لعدائية الغرب؟

موقع موسكو تايمز 8/2/2018
ترجمة: علاء العطار
لاتزال واشنطن مصممة على الإضرار بروسيا قدر ما تستطيع في ظل حكم بوتين، ولكن روسيا ليست ملزمة باتخاذ موقف متشدد.
يُعدّ هذا العام بداية لدورة جديدة في السياسة الخارجية الروسية، وتبدو نتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة واضحة وضوح الشمس، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن فلاديمير بوتين يحظى بتأييد شعبي هائل.
ويقول العديد من المراقبين بأن هذا يعني أن مسار السياسة الخارجية الروسية لن تطرأ عليه سوى تغيرات قليلة، ولكن منذ نهاية الحرب الباردة، استدعت كل انتخابات رئاسية مراجعة للشؤون الخارجية من الناحيتين النظرية والعملية، ومن المرجح أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى مراجعة مماثلة، فأمام روسيا العديد من العقبات التي قد تحدد اتجاه سياستها الخارجية.
وتُعدّ العلاقات مع الغرب من الأولويات، وهذا العام، ستزيد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الضغط على روسيا من خلال العقوبات، والردع العسكري، وحرب المعلومات، وسترد روسيا بالمثل، رغم أن ميزان القوى يميل لصالح الغرب بشكل ملحوظ.
بشكل عام، تهدف دول الغرب إلى تغيير نهج روسيا في أوكرانيا، غير أن أهداف واشنطن تبدو أكثر طموحاً بكثير، فهي تمتد لتمسّ الأنشطة السيبرانية الروسية، ودورها في الشرق الأوسط، ونهجها حيال حقوق الإنسان، وعدم الانتشار، وغيرها.
وتُظهر العقوبات الأمريكية الأخيرة روسيا كخصم رئيسي، ما يشير إلى رغبة الولايات المتحدة في زعزعة النظام السياسي الروسي، وتشتيت نُخَبِه، ويبدو أن غالبية النخبة الأمريكية تشاطرها هذا التوجّه.
ما الاستراتيجية الروسية الأمثل في ظل هذه الظروف؟ أحد خياراتها هو أن تقف شامخة، وتتبنى موقفاً أكثر صرامة تجاه الغرب، بيد أن الكرملين يفهم أن لهذه العقوبات ثمناً، فالردع العسكري يكلّف أموالاً، والعزلة السياسية تؤدي إلى الضعف، ولكن لا شيء مما ذُكر يُعتبر مهلكاً لروسيا على المدى القصير.
في الواقع، يزيد الضغط الغربي من شرعية القيادة الروسية، ويعطي أبناء البلد سبباً ليتجمعوا حول علم بلدهم، وليوجهوا الموارد نحو الحفاظ على مكانته المحلية والعالمية.
بالفعل، قد يُمسي ذلك استراتيجية القيادة الرئيسية بعد الانتخابات، خاصة إن كان صناع القرار في روسيا يعتقدون أن النظام العالمي الليبرالي القائم على وشك الانهيار تحت وطأة مشاكله الداخلية.
لكن ماذا لو نجا الغرب من أزمته السياسية الحالية وازدهر بعدها؟ هل ينبغي أن يكون لدى روسيا خيار احتياطي إذا ثبت أن اتخاذ موقف متشدد مكلف جداً؟.. في الواقع، لدى روسيا مجال للمناورة، فيمكنها اختبار ردود الفعل إزاء تخفيف حدة التوترات مع الغرب، وأن تتجنب في الوقت ذاته تقديم تنازلات غير مقبولة.
وللقيادة الروسية أن تُجرّب تقارباً مع الغرب عبر استغلال الطرق المختلفة التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إن واشنطن مصممة على الإضرار بروسيا قدر ما تستطيع في ظل رئاسة بوتين، لكن الاتحاد الأوروبي أكثر واقعية، فهو يبحث عن حل للصراع في شرق أوكرانيا، وجعل علاقته مع روسيا أكثر قابلية للتنبؤ، إن لم تكن أكثر ودية، وبأخذ ذلك بعين الاعتبار، يمكن لروسيا أن تتخذ خطوات لتعزيز السلام في دونباس عبر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، على سبيل المثال، لكن الثقة تُعدّ أحد أهم بواعث القلق في موسكو.
هل ستؤيد بروكسل مبادرة موسكو؟ وهل ستعمل كييف على تخريب هذا النوع من التحرك، أم ستعترض واشنطن سبيله؟ وهل سيستغل الغرب المحاولة الروسية للتوصل إلى تسوية، معتبراً إياها علامة ضعف، وأنها تزيد من حدة الضغط الذي يمارسه على روسيا؟.
إن غياب الثقة- وخشية الاستغلال- قد يُشجع روسيا على المضي بموقفها المتشدد، حتى ولو كان مكلفاً، إذ إن العديد من الأمور ستتوقف على بروكسل، وقدرتها على إظهار دبلوماسية مستقلة وناضجة.
بالطبع، هذا لا يعني أن على موسكو أن تحاول تأليب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على بعضهما، فهذا ليس من شيمها.
ويبدو أن مصير العلاقات الروسية الأمريكية يتجه نحو أن تسوء أكثر وأكثر، ولكن حتى في هذه الصحراء قد تزهر بعض البراعم الغضة، فعاجلاً أم آجلاً، سيهدأ الهوس باتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، ومازال قانون نيوتن الثالث ينطبق على السياسة الدولية: سيكون لكل فعل رد فعل عاجلاً أم آجلاً.