مشاريــــــع للمتاجرة والتهويل
الواضح أن هناك من يعيش أجواء من المأزومية، وأنه يمارس الهرب إلى الأمام نحو نوع من السياسات المتهوّرة والاستفزازية، وأن هؤلاء قد لا يتوانون عن افتعال الحرب، حتى ولو كانوا على غير يقين من نتائجها، بل وأن الحرب بحد ذاتها يمكن أن تشكّل مدخلاً لهم لحل استعصاءات واختناقات شخصية، وفي أكثر من جبهة. الواضح أيضاً أن غياب الشعور بالمسؤولية السياسية والأخلاقية لدى غالبية الزعامات الغربية، وافتقاد هذه الزعامات إلى أبسط مستويات الكاريزما، علاوة على طبيعة التحوّلات الإقليمية والعالمية التي “تنذر” حقاً بالانتقال إلى صيغ ومعادلات أخرى مختلفة تماماً.. كل ذلك يخلق مزاجاً عاماً من الارتباك والفوضى، وقد يدفع نحو تعميق النزعة السوداوية والتشاؤمية، بحيث يستلقي قرار الحرب والسلم أخيراً بين يدي رجال سياسة طارئين وحثالة يهتمّون لـ “الميكروفانات” وعدسات الكاميرات أكثر من الاهتمام بالخطاب والموقف والكلمة، ويعملون على مواصلة خداع الجمهور أكثر مما يعيرون أهمية لمشاركته ومخاطبة وعيه.
هكذا تحتشد سماء الشرق الأوسط خلال هذه الأيام بالتصريحات الهوميرية لرؤساء ووزاء خارجية ومسؤولين كبار غربيين بات التلويح – والتهديد – بـ “الضربات”، بالنسبة لهم، رياضة صباحية ومعتادة تكاد لا تستحق منهم حتى مجرد النظر من النافذة، وهم يتناوبون على إطلاق هذه التهديدات دون التحقّق من جديتها، أو المدى الذي يمكن المضي فيه على صعيد تنفيذها والانتقال بها إلى المستوى العملياتي. ولكن استسهال اللعب بالعبارات النارية ينطوي بحد ذاته على خفة سياسية غير مألوفة قد تقود إلى مزالق خطرة وصعبة، وقد تنتهي أحياناً إلى عواقب وخيمة؛ فأن تناور الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تواجد وبقاء قواتها فوق الأراضي السورية، وتضع خرائط ومرتسمات من جانب واحد، وتستهدف بنيران طائراتها قوات رديفة أو صديقة أو حليفة للجيش العربي السوري في معركته ضد الإرهاب، وأن تسارع فرنسا للتلويح بـ “خيار استخدام القوة”، وأن يتمسّك ماكرون بإحياء صورة المحارب، حتى ولو كان ذلك ضمن اشتراطات محدّدة قد يكون الغرض النهائي منها الإحالة إلى رسائل سياسية ودبلوماسية تفيد معنى التذكير بالحضور والموجودية، فذلك يعني – رغم ما يمكن أن يحمله ذلك، حتى الآن، من إشارات متناقضة وملتبسة – أننا أمام وضع قابل، في أية لحظة، للاشتعال والتفجّر الكامل، وأن إمكانيات السيطرة على هذه المتلازمة الجهنمية قد لا تتوفّر عند الضرورة، وبحيث يمكن للمنطقة عموماً أن تنجر باتجاه الحرب الحتمية والشاملة.
يدرك الجميع أن الغرب الأوروبي والأمريكي لم يعد، ومنذ زمن طويل، يمارس الحرب بالمعنى التاريخي والفلسفي للمفردة، وأن ما يقوم به، في الشرق الأوسط على الأخص، لا يعدو كونه إجراماً عارياً ومنظماً وممنهجاً يستهدف الشرق العربي والإسلامي بكل مكوّناته البشرية والحضارية. ولكن الجميع يدركون أيضاً أن هذا الشرق، ككتلة مقاومة، يخوض اليوم مواجهته متسلّحاً بكل عوامل ومقومات الانتصار الجديدة، وفي صدارتها ذلك الإيمان العقائدي بأننا على مشارف دورة تاريخية من الإنجازات المتواصلة والمصيرية، وأن التهديدات الغربية، في ظل التوازنات المستجدة، مجرد مشاريع للمتاجرة والتهويل تنطوي على قدر هائل من الابتزاز والاعتباطية.
لن يهز ماكرون شعرة من رأس سوري واحد، وترامب وأزلامه لن يكونون إلا مثار سخرية. لقد بات “الكيماوي” لعبة مملة وممجوجة، ولن يصدّق أحدهم أن باريس وواشنطن، في المقدمة، معنيتان بالأرواح البشرية، خاصة وأن السيناريوهات الإتهامية تتمّ فبركتها بالتعاون الوثيق مع الـ CIA، والـ DST مباشرة، بل والتحريض المباشر منهما. لقد بات التلاعب بالاتهامات جزءاً محورياً من السياستين الخارجيتين الفرنسية والأمريكية. وأصبح لهذا التلاعب تقاليده وجذوره التاريخية الضاربة في عمق التفكير والممارسات الاستعمارية الغربية. ولكن سورية بالضبط نهاية مرحلة، وما نشهده اليوم هو انقشاع أكاذيب وتحلل آلية في طريقها الحتمي إلى الزوال والتبدّد. أما العنتريات والبطولات الاستعراضية، والأهم التحايلات المكشوفة والتواطؤ مع الإرهابيين من تحت الطاولة، فهي علامة ضعف، وقد تكون أول إشارات هزيمة باتت بحكم القريبة.
بسام هاشم